13 سبتمبر 2025
تسجيلفي أحد الأزمان الغابرة في اليونان، كان هناك أمير يوناني يدعى نرسيس، وهو فتى غرير وفي غاية الوسامة والجمال. وذات مرة طالع صورته منعكسة على صفحة ماء الغدير بكل فخر وزهو، ووقع في غرام نفسه وعشق صورته وظل يحادثها ولا ينال منها إلا العدم. فما كان منه إلا أن غرق في البحيرة وذاب عن الوجود. وحينما جاء الربيع، وبحسب الأسطورة فقد حزنت عليه السماء فخلدت ذكراه بزهرة أخذت منه جمال الوجه وروعة الطلعة فأطلقوا عليها نرسيس أي " زهرة النرجس". القذافي الذي تملكه جنون العظمة والكبر ظل طيلة فترة سنوات حكمه، التي ناهزت الأربعة عقود، مصدراً للسخرية والتهكم والتندر: يجلس بتهكم ، ويقف بشموخ ، ويحاكي الطاؤوس في مشيته، يرفع رأسه بخيلاء ينم عن إعجاب بالذات، الموشاة بالتيجان والصولجان، وينظر شذراً إلى قومه ، وإلى الرؤساء العرب والأفارقة في مؤتمراتهم . القذافي المفتون بنظرياته وأفكاره، نادى ملياً بالوحدة العربية وسخر لها كل إمكاناته الدبلوماسية، وعندما فشلت تلك الرؤى الطوباوية، أشاح بوجهه عن الوطن العربي، ويمم وجهه صوب القارة الإفريقية التي استجابت لبعض مطالبه بتغيير مسمى الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي ، ومنحته لقب ملك ملوك إفريقيا. أما العرب فعلى الرغم من صدودهم عن الوحدة العربية، فقد منحوه لقب عميد الرؤساء العرب عرفاناً ببقائه في سدة الحكم أكثر من أي زعيم عربي آخر على قيد الحياة. القذافي أضحك الجماهير ملياً بأقواله الباعثة على الضحك والسخرية ومنها: - لو كنت رئيساً لرميت الاستقالة في وجوهكم - أنا لست رئيساً ، أنا مجرد مرجعية أدبية وفكرية للاستفادة منها - الذين ماتوا في المظاهرات سيندمون أشد الندم - أنا لست ديكتاتوراً لأغلق الفيس بوك - السجن خمس سنوات لمن يقتل نفسه حرقاً - للمرأة حق الترشيح سواء كانت ذكراً أو أنثى - أيها الشعب لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التليفزيون في الظلام - تظاهروا كما تشاءون، ولكن لا تخرجوا إلى الشوارع والميادين. ومثلما أضحك الملأ، فإن القذافي قد أبكى الليبيين لدرجة أن دموعهم قد ملأت النهر العظيم، وتصاعدت أحزانهم كمد البحر الهائج : فقد اتسم عهده منذ البداية وحتى الآن بسياسة وإستراتيجية البطش والتعذيب والتنكيل والقتل الجماعي والقصف الممنهج ضد الأبرياء وعشاق الحرية ودعاة الكرامة الإنسانية. القذافي المختبئ في نرجسيته وفنون عظمته، الذي أوشك حكمه على الزوال بعد سقوط طرابلس ومعظم المدن الليبية، لا ولم يستطع أن يلمس قاع الكون مثلما فعل"جان جوريوس". لأن قوات الثوار ستبحث عنه: دار دار، خندق خندق، جحر جحر ، زنقة زنقة، حتى يتم اعتقاله، أو يموت في ساحة الوغى ذليلا مدحورا.