15 سبتمبر 2025

تسجيل

ليست كل رحمة عدلا ولا كل قسوة ظلما!!

28 يوليو 2016

لست أقصد ثلاثي الصاد (الصهاينة والصفويين والصليبيين) الذين خططوا للانقلاب الفاشل ولا أقصد بني عالمان وبنات عوالم ممن فرحوا بالانقلاب قبل أن يهموا ويغموا بفشله وهم اليوم يشقون الجيوب ويلطمون الخدود على خبايا السوء التي خبؤوها وأعدوها في تركيا ثم انكشفت فخاب فألهم وبار جمعهم.. ولكن أقصد فئة أخرى تميزهم ميزتان؛ أنهم حسنو النية طيبون، وأن عقولهم مغشاة وذاكراتهم قصيرة.. لذلك وجدناهم إذ رأوا الانقلابيين مقادين إلى العدالة يعلوهم الصَّغَار ويجللهم العار أشفقوا عليهم وراحوا يستحضرون معاني الرحمة والإشفاق وقاموا يكتبون ما يشعر بتبرمهم وربما رفضهم لما يقوم به النظام التركي في مواجهة هؤلاء الخونة الإرهابيين، وغاب عنهم كل شيء إلا هذه اللحظة وكأن المشهد كله لم يبدأ إلا من هذه الصورة..اليقين أنه لو نجح الانقلاب وتمكن من رقبة تركيا وفعل بها وبالديمقراطية والشعب وأردوغان والطلاب والجامعات والاقتصاد والعلاقات والمعارضين..ما يفعله السيسي بمصر لكنا سمعنا هؤلاء الحسني النية ذاتهم يشتمونه ويقومون الليل يجأرون إلى الله تعالى أن يهلك الانقلابيين وأن يريهم مساقهم إلى المشانق كما هم يدعون ليل نهار على سيسي مصر..فهل أصحاب هذه العاطفة وهذا الفهم يصلحون لتقديم تقدير صحيح للموقف العام وللتعرف على خطورة واتجاهات الانقلاب؟ وهل يصلحون لإطلاق الأحكام على إجراءات وكيفيات مواجهته التي تقوم بها تركيا الآن؟ أم أن الأليق والأصوب أن نقول لهم رحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده، وأن القرارات المصيرية والقيم الوطنية لا يصلح لها مثل هذا التبسيط والتسطيح؟لهؤلاء الطيبين الغافلين أقول: لقد حذرنا الله تعالى من الرأفة بزانٍ مسلمٍ وزانيةٍ مسلمةٍ عندما قال {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بـالله واليوم الآخر} رغم أن فعلتهما القبيحة ليست كفرا ولا هي من الولاء للكافرين كما هو الانقلاب الخؤون، ورغم أنهما قد يكونان من الصحابة الأفاضل كماعز والغامدية ولهما قصتان مشهورتان في كتب السيرة والفقه.ولهؤلاء الطيبين أيضا أقول: تعرّفوا على أبعاد الانقلاب وما كان يراد منه؛ وادروا إلى أين كان سيأخذ تركيا والمنطقة، وما كان سيكون عليه الحال لو نجح! أما الطرح الإسلامي فسيكون آخر مطافاته وفرصه قد انتهت وربما إلى مائة سنة قادمة؛ لأن مفهوم الإسلام في تركيا هو النموذج المتبقي الذي يمكن أن يعيش وأن يبدع وأن يعول عليه في مواجهة مفاهيم المغالطة أقصد مفهوم (سلفية من يؤلهون الحاكم) ومفهوم (صفوية إيران التكفيري الدموي) ثم مفهوم (داعش الإرهابي والمتطرف) أيضا؛ وهذا يعني أن نجاح الانقلاب التركي كان سيغرق الأمة إما في بحار الجهل والاستبداد، أو في بحار الدماء التي لا ترقأ، أو سيصنع حالة تدفع لترك الدين كله في سياق حملات متواصلة وممنهجة تسود اليوم لتكريه الناس في الدين وتشكيكهم في ثوابته. وأما تركيا وديمقراطيتها ورئيسها وحاضرها ومستقبلها فلن تكون أحسن حالا مما وقع على مصر التي يحارب انقلابها الإسلام ويتخضع للعدو ويرتمي في أحضان الصهيونية العالمية حتى وصل به أخيرا أن يجري مناوراته العسكرية على استهداف وتدمير وكسر قداسة المساجد.وأما حلف تركيا والسعودية وقطر فالأكيد أنه كان سيضعف كثيرا تحت مطرقة التهديدات الخفية والتلويح بمثل مصير تركيا، وسندان نقص الحليف القوي والثقل التركي، ولو حدث ذلك فهل يتخيل الطيبون ما سيكون عليه حال ثورات الربيع العربي وقادتها وأئمتها الذين وجدوا في تركيا ناصرا لهم ومكانا يأمنون فيه ويتحركون منه؛ وهل يتخيلون ما سيكون عليه حال الثورات المضادة التي ستكون أسقطت تركيا بعد مصر وتونس وبعد أن أغرقت ليبيا واليمن والعراق وسوريا في بحار الإرهاب الداعشي والإيراني وتطرفهما؟وأما فلسطين؛ فهل فكروا في حالها وما سيكون حالها لو نجح الانقلاب ثم انقلب على اتفاق أردوغان مع العدو الصهيوني وتنازل عن مكتسباته، وإذ تسقط القلعة التركية المؤازرة للمقاومة ثم يهتز بقية حلفائها وإذ تعلو بديلا عن كل ذلك دعاية محمود عباس والسيسي والعرب المتصهينة؟آخر القول: ليست كل رحمة عدلا ولا كل قسوة ظلما، وعلى الطيبين المسطحي الثقافة أن يتدبروا ما يقولون وما يكتبون قبل أن يكونوا سهما في يد أعدائهم.