18 سبتمبر 2025
تسجيلالعلاقات الإنسانية التي تنشأ بين البشر، ولكي تستمر وتتطور وتكبر، تقوم عادة على أسس من الحب والتقدير والاحترام، وحالما تتساقط تلك العناصر الأساسية لأي علاقة إنسانية، تبدأ تحل مكانها عناصر الشقاق والخلاف والتنازع، وما يترتب عليها من آثار سلبية غير سارة ولا محمودة. لا يوجد إنسان لا يحب ذاته، فكل إنسان منا يحب ذاته ويقدّرها، ويعمل على إعطائها حقها من التقدير والاحترام، ومن الطبيعي والمنطقي أنه يحب أن يجد بالمثل من الآخرين تجاهه.. فإنه في اللحظة التي يقوم أحدنا بانتقاص ذات إنسان ما بقصد أو دونه، فإنه يدفعه للتحول إلى شخص آخر قابل للانفجار في أية لحظة.. إن جرح ذات أي إنسان أحسبه مثل الخلل أو التسرب الذي يحدث في مفاعل نووي أو ذري، والذي عادة ما يؤدي إلى كارثة ما لم يتم تدارك الأمر بسرعة فائقة، والقيام بإصلاح نوعي متقن للخلل، فإن أسوأ ما يمكن أن يراه أو يسمعه المرء منا في حياته، قيام آخرين بانتقاص ذواتنا والتقليل من شأنها، وهو الأمر غير المقبول تحت أي ظرف من الظروف، ومن أي كائن يكون. من دراسات نفسية، تبين أن الذي يقوم بانتقاص ذوات الآخرين والتقليل من شأنهم، إنما هو نفسه يعاني من عقدة نقص شديدة ومن شعور بالغ بالدونية في محيطه أو بيئته التي يعيش أو يعمل فيها، حتى يتحول لضحية بعد حين من الدهر، تجده دائم الانتقاص لذاته ولأي سبب، وبالتالي يجد لذته حين ينتقص من ذوات الآخرين، ويقلل من شأنهم، أو تجريحهم لسبب أو من دون سبب، ويجد في ذلك تنفيساً له مما به من دونية وعقدة نقص وما شابه.. إن الذي يحترم ذاته ويقدرها ويعمل على الرقي بها، تجده بالضرورة كذلك مع الآخرين.. وحين يواجه هؤلاء العظام من الناس بعض الناقصين، تراهم عادة لا ينفعلون مع ما يصدر تجاههم، بل يحاولون الإصلاح قدر المستطاع.. وهو أمر ليس سهلاً إلا على النفوس الكبيرة. لذا أنصح وأقول إنه حين توقعك الظروف أن تتعامل مع من يحاول الانتقاص من ذاتك وتجريحك، سواء كان مسؤولاً أو رئيساً أو من هو أعلى منك سلطة وجاها، فلا تحاول أن تثبت له العكس، بل الإنصات والتغاضي عنه سيعملان عمل الماء مع النار، بل أكثر من هذا.. إذ يمكنك أن تطفئ نار الشعور بالدونية والنقص عنده بأن تأتيه من زوايا أخرى من حياته بها بعض الإيجابيات، فتقدّره عليها وتمتدحه صدقاً لا مجاملة.. ستجده وقد تحول فجأة من موقع المهاجم إلى موقع النصير، ويتنبّه إلى الكبيرة التي يقوم بها في حقك، ثم ستلاحظ أنه بعد قليل سيقربك إليه زلفى أكثر من الآخرين.. ولو لم تخرج من ذاك الحوار سوى بهذه الفائدة، فإنها تكفي، ولكن أحسب أنك ستخرج بفوائد أخرى عدَّة، حاول أن تكتشفها بنفسك.