18 سبتمبر 2025
تسجيلتتركز الأنظار منذ بدء الثورات العربية في بعض الدول العربية على ما يتصل بطريقة الانتهاء من العنف والانتقال إلى عملية بناء الديمقراطية وإقامة مجتمع العدالة والرفاهية والحرية وهو الهدف الذي دونه عقبات كثيرة حتى الآن. وتركزت الأنظار كذلك على ظاهرة صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وتونس فيما أخفقوا في ذلك في ليبيا أما الوضع في اليمن فلا يمت بصلة إلى كل هذه الطموحات. ولا شك أن الوضع في سوريا اتخذ منحى لا يسرّ عينا وسط حمامات الدم التي تشهدها البلاد وعمليات النزوح الواسعة في كل اتجاه خارج سوريا. ومع أن للوضع في سوريا صلة بمطالب الإصلاح غير أن التطورات اتخذت منحى بات رهينة بيد مصالح الدول الإقليمية والعالمية وتحولت سوريا إلى ساحة حرب كونية لكل هذه القوى. وفي خضم هذه الأحداث بدأ المشهد السوري والإقليمي يتكشف عن احتمالات مهمة ستترك آثارها على كل المنطقة فيما لو تحققت هذه الاحتمالات. لم يكن للجانب الكردي من المسألة السورية أهمية تذكر ولم يكن للأكراد أي ثقل يمكن أن يوظفوه لتوجيه التطورات في هذا الاتجاه أو ذاك. لكن استمرار الحرب الأهلية في سوريا واستنزاف قوات النظام في مناطق شاسعة أفسح أمام خلو الشريط الكردي في شمال سوريا من قوى سواء كانت للنظام أو للمعارضة لانهماكها بالمعارك في مناطق أكثر أولوية. والقاعدة العلمية أن الفراغ لا يبقى كذلك وسوف يجد من يملؤه وبسرعة. والأكراد في شمال سوريا لهم تاريخ من النزاع مع النظام المركزي في سوريا منذ أن أعلن استقلال سوريا في العام 1943. إذ انضم أكراد سوريا إلى أقرانهم من الأكراد في الدول المجاورة في العراق وتركيا لجهة إنكار حقوقهم الثقافية على الأقل. وإذا كان أكراد العراق قد انتهت معركتهم مع بغداد إلى الفيدرالية فيما يستمر أكراد العراق ضحية عمليات الاضطهاد التي لم تنقطع منذ أتاتورك وحتى اليوم فإن أكراد سوريا ما كان لهم أن ينجحوا في تطلعاتهم نظرا لعددهم القليل الذي يقارب المليون ونصف المليون نسمة. الأحداث في سوريا تطورت بطريقة شكلت فرصة أمام أكراد سوريا لبلوغ بعض ما يصبون إليه. لكن المشكلة التي يواجهها أكراد سوريا أن عددهم القليل وجغرافيتهم الضيقة تحول دون أن يكون لهم وضعية انفصالية تامة وهو ما يدفع بالقوى الإقليمية دولا ومنظمات إلى استغلال الوضع لتوجيه الأمور وفقا لمصالحها. إن استمرار النظام الحالي أو تسلم المعارضة للسلطة لاحقا لا يعطي أملا للأكراد بالحصول على ما يريدون إذ إنه حتى المعارضة وفي ذروة حاجتها للدعم الكردي لم تقبل أن تقدم لهم ما يريدون فكيف إذا وصلت إلى السلطة؟ في المستجدات الأخيرة أن المنطقة الكردية في سوريا يتنازعها طرفان: حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا وقوات البشمركة التابعة لمسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان. أظهر مسلحو "الكردستاني" أنهم موجودون عبر رفع أعلام الحزب على مواقع مقابلة للحدود التركية. وهو ما استثار الحساسيات التركية وأيقظ مخاوفها. وفي ظل عدم وجود قرار بدخول الأراضي السورية فإن تقاطع المصالح التركية- البرزانية ربما يكون فوّض قوات البشمركة لتدخل إلى شمال سوريا كي لا تقع بيد حزب العمال الكردستاني المتقاطعة مصالحه مع النظام في سوريا. لكن ما قد يغير المشهد الحالي في سوريا وفي المنطقة أن تكون العين الكردية في شمال العراق مصوبة بالكامل إلى شمال سوريا لكي تلحق هذه المنطقة في حال سيادة الفوضى الشاملة في سوريا إلى شمال العراق. وهذا الاحتمال القوي سيتعارض مع مصالح تركيا حتى لو كان يحول دون وقوع المنطقة بيد حزب العمال الكردستاني. إن المشهد العام في سوريا وفي المنطقة مقبل على متغيرات كثيرة ستمس وحدة المنطقة والعلاقة بين مكوّناتها الاجتماعية وتعيد من جديد طرح مشكلة الأقليات ووضعها في الكيانات التي فيها وكيفية حل هذه المشكلات وتأثيرها على تماسك المنطقة التي لا يبدو أن تداعيات انتهاء الحرب الباردة قد وقفت عند تخريب الوحدة العراقية والوحدة السودانية، بل في طريقها لتخريب وحدة سوريا ومن ثم وحدة الدول الأخرى المجاورة ومنها تركيا، وهو الهدف الأساسي لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وعدت به إدارة المحافظين الجدد السابقة والذي التزمت باستكماله الإدارة الديمقراطية الحالية. والضحية في جميع الحالات الوحدة الجغرافية والاجتماعية والسياسية في المنطقة لتتربع إسرائيل زعيمة وحيدة دون منافس.