16 سبتمبر 2025

تسجيل

"علماء دين" ولكنهم لا يتكلمون باسم الدين!!

28 يوليو 2011

 النظم المستبدة التي ثارت شعوبها عليها لا يدافع عنها إلا الانتهازيون النظم المستبدة التي ثارت شعوبها عليها لا يدافع عنها إلا الانتهازيون الذين ينسبون في الأصل لها وينتفعون منها وكثير منهم لا يملكون بدونها حسبا ولا نسبا ولا عدلا ولا صرفا .. فلا غرابة في ذلك ولا عجبا فهم الأنظمة وهي هم .. لكن العجب أن ينبري للدفاع عن هذه النظم علماء دين وفقهاء شريعة ومن يفترض أنهم أئمة الهدى المؤتمنون على عقيدة الأمة وسلوكاتها ! والعجب بل العيب أن يحبسهم البؤس الفكري والأخلاقي عما بلغه الناس من وطنية وتضحية في سبيل الإصلاح والتغيير ! والعجب بل العيب أن تسبقهم في المروءة ومواجهة المخاطر النساء والصبيان ! والعجب بل العيب أن يقعدوا مع الخوالف ممن ( طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) ؟! فهم حينئذ إنما يصدقون على الإسلام مقولة الملحدين الذين طالما حاولوا ترويج أن "الدين أفيون الشعوب " .. وهنا بالضبط يجدر الرد عليهم ويصير تفنيد آرائهم وبيان تهرئهم الفكري والنفسي واجبا دينيا حتى لا يظن البسطاء ذوو النيات الطيبة من دهماء الناس أنهم علماء وأنهم يتكلمون باسم الدين لا باسم ضعفهم وبؤسهم ومنافعهم ومناصبهم وحساباتهم الصغيرة .. وبما أن لكل نظام مطبليه ومروجي باطله من هؤلاء ولم نقصد تجريحهم ابتداء فلا أجد وجها لتخصيص أحد منهم بعينه .. " واحد منهم " وفي ندوة جمعته على منصة واحدة مع أنصار الحزب اللاديني الحاكم المستبد الذي يحكم بلده ويذيق أهله ومواطنيه القتل والتشريد والإرهاب ألوانا وأشكالا .. قسّم الثوار – كما يفعل نظامه - إلى " ملقن من بعيد " ومنفذ تابع مغرر به في الداخل ، ثم قال مخاطبا الذي في الداخل : طالبتم قي البداية بالإصلاح ووعدتم به ، ثم طالبتم بالحرية ووعدتم بها ؛ فما بالكم تطالبون بإسقاط النظام ؟ وإلى أين يذهب بكم أولئك ؟ وأضاف : تخرج فئة صالحة في مظاهرة " محقة " ثم يدخل بينهم من يغير الشعارات ويستولي على مظاهرتهم فيتحول النزول للشارع من حق إلى باطل وإلى ذريعة فساد وباب للضرر .. ويصبح حينئذ هذا النزول حراما .. وحاول أن يعطي رأيه قيمة دينية فساق مجموعة من الأحاديث النبوية المطهرة الواردة في الفتن أو المانعة من الخروج على أئمة الهدى ومن صحت البيعة العامة لهم .. فأخرجها عن سياقها واستدل بها في غير دلالتها .. وذكر حديث " وعليك بخاصة نفسك " وحديث " وليسعك بيتك " وحديث " دع كل تلك الفتن " وحديث " من خرج على أمتي لا يفرق بين برها وفاجرها فليس مني ولا أنا منه " وأردف بقوله مستنتجا ومخاطبا الثائرين : " فإن أردتم أن تقطعوا الصلة بالله ورسوله فأعلنوها حتى نعرفكم " في إشارة صريحة إلى أن التظاهر ضد الحاكم الذي هو يدافع عنه يعتبر من قطع الصلة مع الله ورسوله ، وأن حق ذلك الحاكم في الطاعة والبر مستمد من حق الله تعالى وحق رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك .. وأقول : إن أعسر المحاججات ما يُحتاج فيه لتوضيح الواضح والتدليل على الدليل ذاته ، ومناقشة من وطن نفسه على التملص والعناد، وقديما قالوا ( وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل ) .. وحتى لا أغرق القارئ في تفاصيل الخلاف الفقهي حول مسألة الخروج على الإمام أقول ملخصا إن مسألتنا " موضع الخلاف " لا تتعلق بإمام انعقدت له بيعة صحيحة ، ولا حتى بإمام تغلب على الأمة وهو يحكم فيها شرع الله ويتصف بالعدل ويقوم بحراسة الدين ، ولا تتعلق بخروج دموي وفتنة تختلف فيها المعطيات والمخرجات .. ولكنها قضية أمة تطالب بحقها في أن تقيم لنفسها حاكما صالحا يكون منها ولها ، حاكم يقيم فيها شرع الله والعدل الذي تفتقده بدل الفساد والظلم والرشاوى والوساطات ووعود الإصلاح التي لا تساوي الكلمات الإنشائية التي يقدمها وعودا فارغة من أي مضمون واقعي ولا تعبر إلا عن تملص وحربائية .. وهي قضية أمة تطالب بحاكم يحترم إنسانيتها وحقها في الاعتراض عليه وتصويبه وترده إلى الحق عند اللزوم دون أن يسير عليها الدبابات ومن يسمون ب" الشبيحة " أو " البلطجية " ودون أن يذبح أبناءها وشبابها وحتى نساءها في الشوارع وأمام أهاليهم وعوائلهم كما النعاج والدجاج .. وهي قضية أمة تريد أن تتحرر من قبضة أمنية إرهابية أفسدت الذمم وقتلت النخوة وسلمت البلاد واستذلت العباد !! فهل يصح حينئذ أن تساق الأدلة الشرعية لتحصين نظام هذا حاله ؟ وهل يصح أن يقال للمتظاهرين حينئذ " إن أردتم أن تقطعوا الصلة بالله ورسوله فاقطعوها مع هذا النظام ؟ ألم يخرج معاوية بن أبي سفيان ومعه نصف الصحابة الكرام على علي المبشر بالجنة - رضي الله عنهما - ؟ ألم يخرج الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني أمية وهم يحكمون بالإسلام ؟ ألم يخرج كبار التابعين الذين نابذوا الحجاج بالسيف كالحسن وسعيد بن جبير والشعبي والقرَاء الأربعة آلاف وهم خيار التابعين وفقهاؤهم والذين قاتلوه مع ابن الأشعث بالأهواز ثم بالبصرة ثم بدير الجماجم من ناحية الفرات وهم خالعون بيعة عبد الملك بن مروان الذي غاية الطعن فيه وفي الحجاج أن يتهما بالجور لا بالكفر ؛ فهل كل هؤلاء مقطوعو الصلة بالله كما يقول هذا " العالم " ؟ الحقيقة أن ما يقوم به الناس في تلك البلاد إنما هو تظاهر وتعاون على إبلاغ النظام رسالة الإصلاح بالقوة الشعبية والسلمية والحقيقة أنهم يضحون في سبيل ذلك بالكثير والقليل .. فهل إذا قام النظام بإدمائهم وقتلهم يصير فعلهم هذا وتظاهرهم على النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حراما ؟ إذن فقد عرف النظام كيف يقلب الحلال بل الواجب إلى حرام في كل مرة وعرف كيف يتلاعب بالأحكام نزولا وصعودا من الواجب إلى الحرام ومن الحرام إلى الواجب .. وما المانع أن يطالب الناس بتغيير نظام لا يتغير من ذاته وتعجز الوسائل " الدستورية " عن تغييره ؛ ومن يفترض أنهم يمثلون الدين والشعب ويعول عليهم رده وردعه هم أكابر المجرمين وهم الذين اختارهم النظام على عينه وصنعهم على يده ؟ ولماذا يريدون الأمة لا كما أرادها الله تعالى ( خير أمة أخرجت للناس ) ؟ ولماذا يريدون الخشية من الناس أعظم من الخشية من الله ؟ ولماذا يصير القول للظالم " ياظالم " مكرمة ويصير السكوت على المعروف الذي صار منكرا وعلى المنكر المجاهر به والذي صار معروفا مفخرة ؟ والحقيقة - أيضا - أن أقصى ما يمكن أن يحتج به هذا " العالم " القاعد الطاعم الكاسي وأمثاله من أدعياء العلم ودعاة الحزب اللاديني لتبرير عدم قيامه بواجب البيان ومؤازرة الثورات هو أن يتعلل بالعجز والترخص .. وهنا يقال له : فرق ما بين أن تعتبر تخلفك رخصة وتقدم الاعتذار وتطلب الإعذار وأن تسكت لكن بعض الشر أهون من بعض .. وفرق بين أن تسكت - ومن مثلك لا يقبل السكوت - وأن تتهم المجاهدين الثائرين المضحين بأنفسهم وأبنائهم وأموالهم بما يقارب الكفر .. وحتى التعلل بالرخصة في السكوت لا نسلم لك به ، فما كان يقبل من ترخص بذلك في البداية حيث الناس يخافون الخروج ويتوقعون الأسوأ وحيث يغلب على ظن المصلحين أنهم قلة معزولة وأنهم ينادون في واد وينفخون في رماد ؛ لا يصلح رخصة بعد أن اشتدت الثورة وحققت بعض مطالبها ودخلت مرحلة اللاعودة واهتز النظام وكاد يسلم بكل مطالبها .. ولا يصلح رخصة بعد أن خرجت الجماهير وصار التخلف عنها جبنا ولا وطنية ولا أخلاقية ولا يناسب شكل الإسلام ولا مضمونه ، وما يصلح رخصة للعوام والدهماء والضعفاء والجهلة لا يصح ولا يصلح رخصة للدعاة والعلماء والقدوات ؛ وإلا فمن يقوم بأمر الدين وبيانه ومن يحفظ الحق ومن يحمي هيبة الدين ؟ وقد شنع الله تعالى على من فعل مثل ذلك من أحبار أهل الكتاب فقال : (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيِّنُّنه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلاً فبئس ما يشترون) آل عمران:187 آخر القول : مشكلة بعض ال " علماء " ( وأقول البعض فقط ) الذين يدافعون عن النظم الجائرة أنهم اختلطوا من جهة سوء الفهم وأن مصادر فهمهم للواقع الذي يوصفونه ويسقطون الأدلة عليه غير موثوقة وغير مستقلة ، ومعظمها إشاعات ومقولات تروجها الأنظمة ثم ينتهي حالهم إلى عدم التوصل إلى ربط صحيح محكم بين الدليل والواقعة المحكوم فيها " ويتبعون من حيث يدرون أو لا يدرون غير سبيل المؤمنين فيضربون بسيف الباطل كأهله ويعترضون طريق الإصلاح كأعدائه وتلتقي فتاواهم بمقولات الملحدين ولا حول ولا قوة إلا بالله ..