13 سبتمبر 2025
تسجيلضرب الإرهاب «الداعشي» من جديد فندقاً يستقبل سياحاً أجانب في مدينة سوسة الواقعة على الساحل الشرقي التونسي، ولم تنجح التدابير الأمنية المشددة، التي صرحت بها وزارة الداخلية التونسية بإجرائها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، على أثر الهجوم الإرهابي الذي نفذه مسلحان على متحف باردو الشهير في العاصمة تونس في 18 مارس 2015، حين قتل 24 سائحاً أجنبياً ورجل أمن تونسياً ، وتبناه «داعش»، في حماية الفنادق والأماكن السياحية، من تسلل طالب تونسي مسلح برشاش كلاشنيكوف على فندق «إمبريال مرحبا» في منتجع مدينة سوسة السياحي على الساحل الشرقي التونسي يوم الجمعة 26 يونيو الجاري، بقتل 37 شخصاً بينهم سياح أجانب معظمهم بريطانيون وألمان، وجرح 36 سائحا، ما اعتبر الاعتداء الأكثر دموية في التاريخ الحديث للبلاد التي تشهد تصاعد عنف مجموعات متشددة مسلحة.وقد تزامن هذا الهجوم الإرهابي مع هجمات إرهابية أخرى حصلت في اليوم عينه في كل من فرنسا والكويت، ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لإعلان قيام «دولة الخلافة الإسلامية » في الموصل يوم 29 يونيو 2014، وهو ما جعل المحللين يؤكدون أن الإرهاب الداعشي الذي يتغطى بالشعار الإسلامي في مجال نشاطه الإجرامي، نسفاً وتقتيلاً وسبياً وتدميراً، أصبح متمدداً من أقصى المشرق العربي إلى منطقة المغرب العربي وها هو الآن يضيف الكويت إلى قائمة ضحاياه بعدما كان قد توسع في شبه الجزيرة العربية. وإرهاب «داعش» وأخواته، لا يميز بين المشرق والمغرب. ولا بين السنة والشيعة. لا بل إنه يقتل من السنة أكثر مما يوغل في دماء الشيعة وغيرهم من أبناء الطوائف الإسلامية والمسيحية والقوميات المتأصلة في هذه الأرض منذ مئات وآلاف السنين.يكشف لنا هذا الهجوم الإرهابي الجديد هزالة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التونسية، مقارنة بالتنامي الملفت لظاهرة الإرهاب الذي تغلغل منذ ثلاثة أعوام في تونس، بشكل جعله يدخل مرحلة محاربة وجود الدولة أصلاً، وهي من المراحل المتقدمة جدّاً للإرهاب.. فالإرهاب يستهدف ضرب السياحة أحد أعمدة الاقتصاد التونسي، إذ تشغل 400 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر وتساهم بنسبة 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وتدرُّ ما بين 18 و20 بالمئة من مداخيل تونس السنوية من العملات الأجنبية. ووصفت وزيرة السياحة سلمى الرقيق هجوم الجمعة، بأنه «كارثة وضربة كبيرة للاقتصاد والسياحة».فلا تزال المعالجات التونسية للملفات الساخنة والمطروحة بصورة ملحة دون المستوى المطلوب، لعل أهمها التهريب الذي استفحل وتفشّى بشكل خطير، ودخول كميات هامة من الأسلحة منذ سنة 2011، وتفشي الخطاب الديني التحريضي، والذي وصل فيه الأمر إلى حدّ «الاحتفاء» بالعمليات الإرهابية، على مرأى ومسمع من الدولة.وانتشار رياض الأطفال التي لا يستقيم الحديث عن كونها «قرآنية» في ظل ما ثبت من تورّطها في «غسل أدمغة» النشء، والتحريض على ما يوصف جهلا بالجهاد، كما بيّنت الأعوام الأخيرة، وتحوّل عدد من الجوامع إلى بؤر لتفريخ الإرهاب إضافة إلى العدد المهول من الجمعيات المرتبطة بظاهرة الإرهاب، فضلاً عن جرأة مؤسسات إعلامية في الدفاع عن الإرهاب، ووصل الأمر إلى المجلس الوطني التأسيسي الذي رفض سنّ قانون للإرهاب رغم تصاعد عدد ضحاياه، وتصاعد أخطاره المحدقة بالبلاد من كل حدب وصوب! هذا بالإضافة إلى ثبوت تعامل أعداد من موظفي الدولة وأعوانها مع الجماعات الإرهابية. ليس من شك أن للإرهاب في تونس ارتباطات داخلية وخارجية يستوجب التعامل معها وضع إستراتيجية وطنية شاملة لمحاربته. فعدم وجود رؤية إستراتيجية واضحة للمصالح الوطنية وغياب ثقافة خاصة للوطن يسندها الجميع سلطة ومعارضة فاقم من خطورة هذه الظاهرة، من دون أن ننسى أن معالجة الأسباب الداخلية الفعلية وفقا لسياسة تنموية وتربوية واضحة تعطي أولوية للولايات الفقيرة والمهمّشة هي خط الدفاع الأول ضد الإرهاب.ومع ذلك، فإن هذه الخطة تتطلب بلورة إستراتيجية وطنية، نرى خطوطها العريضة على النحو التالي: 1- يشكل الإرهاب والتطرف تهديداً مستمراً للسلم والأمن للمجتمع، وللدولة، الأمر الذي يقتضي التصدي له بصورة شاملة من خلال اعتماد إستراتيجية وطنية شاملة، فاعلة، أمنية، وعسكرية، وسياسية واقتصادية، وثقافية. 2-بصرف النظر عن أي ذريعة يسوقها الإرهابيون تبريراً لأعمالهم، فإن الإرهاب لا مبرر له. فطبيعة العنف التي يتميز بها الإرهاب تجبر الحكومة على التركيز على إجراءات للقضاء على المنظمات الإرهابية ومنع الأعمال الإرهابية، ومن ناحية أخرى، فمن الأهمية بمكان معالجة العوامل التي توفر أرضية خصبة لازدهار الإرهاب بغرض الإسهام في القضاء عليه. 3- ينبغي دعم جهود الإصلاح الوطني المبذولة من قبل القوى السياسية التونسية المؤمنة ببناء الدولة الديمقراطية التعددية، وتشجيع إصلاح القطاع الأمني سياسياً، ومالياً وتقنياً، خصوصاً من خلال إنشاء قوات أمن محترفة وتجنب تسييس إدارة هذه القوات،