01 نوفمبر 2025
تسجيلخاطب رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وزير الخارجية الأمريكية جون كيري أثناء استقباله له في اربيل عاصمة الفيدرالية الكردية في العراق بأن عراقا جديدا قد بزغ والعراق القديم قد انتهى. يضع البرزاني بهذا الموقف النقاط على الحروف في ضوء التطورات الكبيرة والخطيرة التي شهدتها الساحة العراقية بعد أن تمددت حركة "داعش" من سوريا إلى العراق وسيطرت على محافظات بكاملها ليست الموصل سوى العنوان الأبرز لها. السيطرة الداعشية انعكست بالتأكيد على الأرض بلبلة واضطرابا ومخاوف سياسية على وحدة العراق حيث بدأ الحديث عن صيغة جديدة سياسية بل ربما جغرافية للواقع العراقي في ضوء انشطار البلاد إلى ثلاثة مكونات رئيسية هي الشيعة والسنة والأكراد.ومع أهمية وخطورة الأبعاد المختلفة للأزمة فإن ما تركه التحرك الكردي من تحولات ومتغيرات ميدانية برأيي هو الظاهرة الأكثر إثارة فيما يتصل بمستقبل العراق ومستقبل المشروع الكردي في العراق وفي المنطقة.لقد فتح انهيار الجيش العراقي وانسحابه من المناطق السنية تحديدا الباب أمام تحرك قوات البشمركة واستيلائها على المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية في بغداد. وبرز هنا سيطرة الأكراد أولا على ما يعتبرونها "القدس" لهم أي مدينة كركوك ومحافظتها.لقد فرضت التطورات الأخيرة احتمالا قويا بأن العراق لن يعود كما هو. ومع أن الأمور مفتوحة على أكثر من اتجاه إلا أن الأكراد لم يتخلوا سابقا عن هدفهم الاستراتيجي وهو بلورة الحدود الجغرافية للكيان الكردي في العراق.ولقد رسمت المادة 140 من الدستور العراق خريطة حل المشكلة عبر استفتاء بين سكان كركوك لتقرير مصيرهم. وهنا بدأ كل طرف يحاول تغيير ديموغرافيا المدينة والمنطقة واتُهم الأكراد تحديدا بأنهم الأكثر توطينا لأكراد جدد في المنطقة. وحالت الخلافات السياسية دون تطبيق المادة 140 وإجراء الاستفتاء. وهنا لا يتوقع أن يتم تغيير الواقع المستجد بسهولة. إذ سيجد الأكراد الفرصة المنطقية للقول إنهم لا يثقون بالجيش العراقي وليس من ضمانات أنه سيكون موضع ثقة في المستقبل وبالتالي فإن بقاء قوات البشمركة في كركوك على ما يبدو سيكون طويلا وربما أبديا.وبهذا المتغير الكبير يكون الأكراد قد أكملوا رسم حدودهم كما هم يريدون وبأقل الكلفة الممكنة. وأضافوا إلى موارد كردستان النفطية موارد أكثر أهمية. وحتى لو كان هناك صيغة وسطية للوضع هناك غير أنها تعني مزيدا من المكاسب للأكراد.وما يزيد من تحصين الأكراد لوضعهم الجديد أنهم يحظون بدعم إقليمي من كل القوى المعارضة والمعادية لسياسات رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي. وفي مقدمة هؤلاء تركيا. ونكتفي هنا بالإشارة إلى تركيا من بين الدول الأخرى لأنها معنية أكثر من غيرها بما يجري في العراق من تطورات تتصل بالمسألة الكردية. إذ بعد سنوات من اعتبار تركيا أي إعلان لدولة كردية مستقلة في العراق هو بمثابة إعلان الحرب، فإن حكومة رجب طيب أردوغان بالذات، هي التي كسرت ذلك في العام 2010 لجهة الاعتراف الضمني بحكومة إقليم كردستان. وتحول إقليم كردستان العراق إلى شريك للتعاون التجاري مع تركيا. وبدأت تركيا بالتعاون مع اربيل بنقل النفط الكردستاني عبر أنابيب إلى البحر المتوسط، لتطرح للبيع في الأسواق الحرة ومن اللافت التوقف عند نقطة أن إسرائيل هي الجهة التي يصدر إليها هذا النفط مع بيع نسبة أخرى إلى دول أخرى. كذلك لن يكون الأتراك ممتعضين من إقامة دولة كردية بزعامة مسعود البرزاني العدو اللدود لعبد الله أوجالان رئيس حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا وقد تحول البرزاني إلى بيدق في الخريطة السياسية الداخلية لتركيا لإضعاف أوجالان لصالح حزب العدالة والتنمية في المناطق الكردية في تركيا. واستكمال الكيان الكردي لصالح البرزاني يعني أن أوجالان سيكون في موقع أضعف على اعتبار أن البرزاني يحقق الإنجازات فيما أوجالان في السجن عاجز عن تحقيق مكاسب مهمة للشعب الكردي. حتى الآن يتقدم الأكراد نحو كردستان الكبرى وإن كان بالتدريج وليس من شك أن العقود المقبلة ستكون كردية في كل منطقة الشرق الأوسط.