16 سبتمبر 2025
تسجيلقال الإمام ابن القيّم الجوزية رحمه الله في "زاد المعاد" وكان للصّوم رتبٌ ثلاث: إحداها: إيجابُه بوصفِ التّخيير. والثّانية: تحتّمه، لكن كان الصّائم إذا نام قبلَ أن يُطعِم حرم عليه الطّعام والشّراب إلى اللّيلة القابلة، فنُسِخ ذلك بالرّتبة الثّالثة: وهي الّتي استقرّ عليها الشّرع إلى يوم القيامة ". وقال في كتابه "مفتاح دار السّعادة" " لمّا كان - أي: الصّوم - غيرَ مألوفٍ لهم، ولا معتادٍ، والطِّباعُ تأباه؛ إذ هو هجرُ مألوفِها ومحبوبِها، ولم تذقْ بعدُ حلاوتَه وعواقبَه المحمودةَ، وما في طيِّه من المصالح والمنافع، فخُيِّرت بينه وبين الإطعام، وندبت إليه، فلمّا عرَفَت علّته وألِفَتْه، وعرفت ما تضمّنه من المصالح والفوائد، حُتِم عليها عيناً، ولم يقبل منها سواه، فكان التّخيير في وقته مصلحةً، وتعيينُ الصّوم في وقته مصلحة، فاقتضت الحكمة البالغة شرعَ كلِّ حكمٍ في وقته؛ لأنّ المصلحة فيه في ذلك الوقت ". إن مِن ملامح التسهيل التدرُّج في التكليف. فمِن يُسْر الله تعالى أن تدرّج في تكليف عبادِه بالأمور التي تشقُّ عليهم، فكما تدرّج في تحريم الرِّبا والخمر تدرّج كذلك في تشريع الصِّيام. يقول الدكتور البيانوني: "فقد كان منهج القرآن البَدْء بتفصيل أمور العقيدة وتثبيتها، ثم ببيان الأحكام الشرعية شيئًا بعد شيء، حتى نزل قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾، فقد كمل الدين وتمت النعمة، بما نزل من أحكام في القرآن، وبمنهج التدرج الذي نزل به، ولو نزل دفعةً واحدة، لشق الأمر على الناس، وصعب عليهم امتثال أحكامه، وفى هذا درسٌ بليغ للدعاة؛ ليتدرَّجوا في مناهجهم، ويكونوا عونًا للناس على تطبيقها وامتثالها). وقد أحسن من قال: إن بناء صرحٍ شامخ من الطوب أو الحجر قد يستغرق عامًا أو بعض عام، ولكن بناء الرجال القادرين على تحمل أمانة الدين، وتحويل الأفكار، وتصحيح المعتقدات - يحتاج إلى سنين طويلة، وعمل دؤوب، وجهد مخلص لله رب العالمين؛ ولهذا كانت الحاجة إلى التدرج، فهو قانون الفطرة الذي يرفض الطفرة.