29 أكتوبر 2025

تسجيل

لتبقى فلسطين في ذاكرة الأجيال العربية كيف كان حال فلسطين قبيل النكبة عام 1948؟

28 مايو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كثرت الأحاديث والخطابات والندوات والمحاضرات والمؤتمرات،كما طوفان المقالات والتقارير التي كتبت"...ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة" (القصص:76)،اضافة الى الكتب والدراسات وقصائد الشعر والنثر ،التي تناولت بالبحث والتحليل،الأسباب السياسية والعسكرية لنكبة العرب في فلسطين،والنكسات والهزائم في الحرب التي اندلعب بين الجيوش العربية والعصابات الصهيونية وقتها على أرض فلسطين،لكنها أغفلت القاء الضوء على فلسطين قبيل النكبة في العام 1948،وكيف كانت حياة ومسار الشعب الفلسطيني على الصعد السياسية والثقافية والاقتصادية والفنية والاجتماعية والتعليمية والأدبية،وهذا ما سنتحدث عنه في هذا الاستعراض الموجز ،دون غيره من أوجه الحياة المعيشية الأخرى. أرض فلسطين، كانت جزءا من دولة الأتراك العثمانيين (الدولة العثمانية) ،كبقية أرض الوطن العربي ،حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ،ولما وضعت فلسطين تحت الأنتداب البريطاني بموجب معاهدة سان ريمو الايطالية بعد هزيمة الدولة العثمانية في تلك الحرب،تم توقيع المعاهدة مع تركيا طبقا لمعاهدة سيفر التي حددت مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في المشرق العربي التي تضم العراق وسورية بما فيها لبنان والأردن وفلسطين،بحيث تكون سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين والأردن تحت الانتداب البريطاني بالإضافة إلى العراق ،مع التزام بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور بتنسيق مسبق مع الحركة الصهيونية العالمية للالتفاف على حكومة عموم فلسطين لاحقا التي شكّلها أمين الحسيني. الحياة الثقافيّة والفنيّةكانت المجتمع الفلسطيني قبيل نكبة العام 1948 ،ينبض بالحياة والنشاط الإقتصادي والسياسي والعمراني،ومنارةً ثقافيةً وفنيّة، وغصّت مدنها الكبرى بدور السينما، وصالات العرض الفنية ،وشهدت نشاطًا سينمائيًا لافتًا، حيث تم افتتاح سينما أوراكل في مدينة القدس العام 1908، كأول دار عرض سينمائي في فلسطين،وفي ثلاثينيات القرن الماضي ،انتشرت في المدن الفلسطينية الرئيسية الأخرى مجموعة من دور العرض السينمائي التي كانت تعرض الأفلام المصرية ، وأفلاماً أجنبية، ناطقة وصامتة.وتم في فلسطين إخراج عددٍ من الأفلام، كان منها خمسة أفلام للمخرج الفلسطيني إبراهيم حسن سرحان، وهي أفلام (الملك عبد العزيز، وأحلام تحققت، واستوديو فلسطين، وفي ليلة العيد، ومقدمة سينمائية، وأحمد حلمي باشا)، أما فيلم (حلم ليلة ) فكان من إخراج صلاح الدين بدرخان.والأخوين بدر وإبراهيم لاما (الاعمي الاسم الأصلي لعائلتهم في مدينة بيت لحم)أسسا مجد السينما المصرية،بعد هجرتهم مع والديهما في أواخر القرن التاسع عشر إلى أمريكا الجنوبية وتحديدا لتشيلي ثم قررا العودة بعد عدة سنوات لوطنهم فلسطين لتأسيس شركة إنتاج سينمائي في مدينة حيفا، إلا أن مرض ابراهيم في الطريق اضطرهم للنزول في مدينة الاسكندرية فأعجبتهم المدينة المختلطة الأعراق آنذاك فقررا الإقامة فيها والعمل على إنتاج أفلام سينمائية مصرية فأسسا لهذا الغرض شركة إنتاج سينمائي باسم (شركة كوندور فيلم)عام 1926،فكان أوّل أفلامهما إنتاج فيلمهما "قبلة في الصحراء" العام 1927 .كما كان المجتمع العربي الفلسطيني في حيفا، في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات يميل نحو اكتشاف التمثيل المسرحي، فشهدت المدينة نشاطًا مسرحيًا ملموسًا من خلال تأسيس (جمعية التمثيل الأدبي)، ثم جمعية (الرابطة الأدبية)،وكثف الأدباء الحيفاويون، ومن خارج حيفا مؤلفاتهم المسرحية، إنما الأبرز بينهم كان الأديب جميل البحري الذي وضع وترجم عشرات المسرحيات، منها (قاتل أخيه، سجين القصر، أبو مسلم الخراساني، وفاء العرب وغيرها)،وجرى عرضها على خشبات المسارح المدرسية أو على مسارح المدينة، مثل مسرح سينما كولزيوم في شارع اللنبي، وسينما عين دور، ومسرح وسينما الأمين وعدن وغيرها، أو في حدائق المتنـزهات كمتنـزه الانشراح ومتنـزه كراكين،كما شهدت مسارح حيفا ويافا حفلات غنائية لأشهر المطربين والمطربات العرب مثال محمد عبد الوهاب ،والسيدة أم كلثوم التي حملت من فلسطين أربعة ألقاب"بلبلة الشرق،فاتنة الجماهير ,مطربة الشرق الوحيدة،ومنها لقب كوكب الشرق.ولم تقتصر الحياة الثقافية على الإنتاج المحلي لمجتمع عربي فتي، إنما حضرت إلى حيفا فرق مسرحية كثيرة منها فرقة علي الكسّار ومنيرة المهدية وفرقة رمسيس المصرية برئاسة عميد المسرح العربي الفنان يوسف وهبي، وأيضًا فرقة الممثل العربي المعروف جورج أبيض الذي وضع أسس المسرح العربي الحديث. ولكن الجانب الأهم في كل ما نتحدث عنه في ثقافة المسارح، أن أول فرقة تمثيلية تأسست في فلسطين العربية كانت (فرقة الكرمل التمثيلية) بإدارة وإشراف الفنان الحيفاوي المعروف اسكندر أيوب بدران. ومن أهم المسرحيات التي عرضتها هذه الفرقة كانت مسرحية (هملت) لشكسبير ،وتناقلت أخبارها الصحف الفلسطينية والمصرية مكيلة لها المديح والكلام الطيب، وكذلك مسرحية (كرسي الاعتراف) بالاشتراك مع فرقة رمسيس المصرية.اذاعة القدس محطة انطلاق لأبرز المطربين نقرأ في كتاب (فلسطين القضية ،الشعب،الحضارة، من عهد الكنعانيين حتي القرن العشرين) للكاتبة والمؤرّخة الفلسطينية بيان نويهض الحوت ،أن فلسطين شهدت ثاني إذاعة عربية بعد الإذاعة المصرية، فكانت (إذاعة هُنا القدس)التي امتلكت الأثير في العام 1934، وبدأت إرسالها في العام 1936 من فندق بالاس في مدينة القدس ، ثم انتقلت الى شارع مأمن الله في حي ماميلا في سنة 1939، أما أول صوت صدح فيها فكان صوت شاعر فلسطين الكبير إبراهيم طوقان صاحب نشيد "موطني" ،وقد بلغ عدد أجهزة الراديو في فلسطين ما يقرب من الواحد والعشرين ألفا .ومن إذاعة القدس بدأ المطرب المصري محمد عبد المطلب رحلته مع الفن، واكتسب من خلالها شهرة وخبرة قبل أن يعود الى مصر ويصبح واحداً من أكثر الأصوات الغنائية جمالاً. وفي رحاب هذه الإذاعة برز عازف العود المصري عبد الفتاح منسي، وهو شقيق العازف أنور منسي زوج المطربة صباح، وكذلك الملحن اللبناني المعروف فيلمون وهبي.وشرعت هيئة الاذاعة البريطانية (BBC) تبث بالعربية في العام 1938، وكان المذيع البارز فيها الاعلامي الفلسطيني عيسى صباغ،غير ان بريطانيا لم تلبث في سنة 1943 أن أسّست (إذاعة الشرق الأدنى) وكان مقرها في مدينة جنين أولاً ،ثم انتقلت الى مدينة يافا ثم الى القدس في سنة 1947،ثم بعد النكبة انتقلت الاذاعة بكادرها الاعلامي الى قبرص وأخذت تبث برامجها من هناك .كان من بين أشهر العاملين الفلسطينيين في هذه الإذاعة صبري الشريف ونجاتي صدقي ورشاد البيبي وغانم الدجاني وصبحي أبو لغد وأحمد جرار وعبد المجيد أبو لبن وكامل قسطندي. ويقول الكاتب المقدسي نصري الجوزي في كتابه(تاريخ الإذاعة الفلسطينية.. هنا القدس)،ان بعض الموسيقيين والعازفين والاعلاميين الفلسطينيين الذي كانوا يعملون في اذاعة (الشرق الأدنى) ، توزّعوا بعد اغلاقها العام 1956 خلال العدوان الثلاثي على مصر،وقصفت الطائرات البريطانية أجهزة الاذاعة المصرية قرب القاهرة،وانحياز الكادر الاذاعي الى جانب مصر على الاذاعات العربية،وهؤلاء جميعاً أسهموا في النهضة الموسيقية العربية اللاحقة،وعلى سبيل المثال التحق بالإذاعة اللبنانية عدد من العازفين الفلسطينيين أمثال فرح الدخيل وعبد الكريم قزموز وميشال بقلوق ورياض البندك الذي انتقل لاحقاً الى اذاعة دمشق، واحسان فاخوري وحنا السلفيتي وفريد السلفيتي، ثم المطرب محمد غازي، وفيما بعد التحق بها نبيل خوري، علاوة على الموسيقار حليم الرومي والعازف عبود عبد العال، وانضم الى إذاعة دمشق يحيى السعودي ومحمد عبدالكريم، والى إذاعة بغداد ذهب روحي خماش ومحمد الغصين وصبحي أبو لغد وعبد المجيد أبو لبن وسميرة عزام ومحمد كريم، وذهب غانم الدجاني الى السعودية وفؤاد حداد الى محطة الاذاعة البريطانية (BBC)،وأسس كامل قسطندي شركة في بيروت للانتاج الاذاعي، وتولى صبري الشريف مسرحيات الأخوين الرحباني كلها تقريباً وأصدر سمير الشريف في بيروت ايضاً مجلة إذاعية باسم ( الشرق الأدنى )وتولى رشاد البيبي تحريرها، وكتب فيها مارون عبود وموسى الدجاني وسميرة عزام وعباس محمود العقاد وطه حسين وسهير القلماوي ونقولا زيادة وفؤاد صروف وآخرون ، ولاحقاً أسس غانم الدجاني (الشركة اللبنانية للتسجيلات الفنية) بتمويل من الفلسطيني بديع بولس، ثم أسس بديع بولس نفسه (ستديو بعلبك للسينما ) في سنة 1958بالمشاركة مع الثري الفلسطيني يوسف بيدس وفرقة الأنوار في سنة 1959، والمعروف أن عبد المجيد ابو لبن هو من اكتشف شخصية "إم كامل" التي جسدها الفنان السوري أنور البابا، وشخصية "أبو صياح" التي جسدها الفنان السوري رفيق السبيعي. الحياة التعليميةالتعليم في فلسطين يعتبر جانب مهم للغاية من جوانب حياة الفلسطينيين، فقد اعتنوا أكثر ما اعتنوا بالعلم والتعليم، وتعتبر نسبة المتعلّمين في فلسطين أعلى نسبة في التعليم مقارنة بالدول العربية بالمقاييس الإقليمية والدولية . كانت مدارس فلسطين قبل النكبة على ثلاثة أنواع: حكومية وهي الأكثر عددا وانتشارا في كل مدن وقرى فلسطين، وعربية خاصة، وأجنبية خاصة،وهذه الأخيرة أسستها جمعيات أوروبية وأميركية مختلفة منها العلمانية ومنها الدينية.وعلى الرغم من أن المدارس الحكومية كانت تضم العدد الأكبر من طلاب البلد، فإن ذلك لم يكن نتيجة سخاء الحكومة البريطانية على التعليم، بل لحرص الفلسطينيين الشديد على تحصيل العلم.وقد ورد في المذكرة المقدمة من الوفد الفلسطيني إلى رئيس عصبة الأمم في جنيف للمطالبة بتشكيل حكومة وطنية في فلسطين أيلول/ سبتمبر 1921،أن معدل من يستطيعون القراءة والكتابة والمتعلمين من شعب فلسطين بلغ أكثر من 45% من تعداد السكان، وهي نسبة لا يستهان بها آنذاك ،وقد تخرج مئات من شبانها في الكليات التركية والجامعات الغربية كمهندسين وميكانيكيين وأطباء ومحامين ومعلمين وكثيرون منهم يشغلون مراكز مهمة في أمريكا ومصر والسودان.والفلسطينيون معتادون على الانتخابات العامة والحكم ،حيث كان لهم في عهد الأتراك مجالس محلية تمثيلية وبرلمان انتخابي عمومي في الآستانة، وقد كان الكثيرون يعينون حكاما في أنحاء السلطة العثمانية. كانت الحياة المرهفه والراقية في كافة المناطق الفلسطينية،والحياة السكنية الجميلة والمطاعم الباريسية والشوارع المضاة بالكهرباء ،وكانت المناطق الفلسطينية تحتوي على العديد من الجامعات والكليات ،مثل كلية العربية في مدينتي القدس والناصرة،وكلية النجاح في نابلس ،وتحولت الى جامعة شاملة لكل الكليات العلمية والأدبية بعيد النكبة،وكانت الهيئة العربية العليا تبعث المدرسين للتعليم المجاني في عدة دول عربية مجاورة ،وازدهر الطب في فلسطين من الناحية المستشفيات والطواقم الطبية الماهرة . كان يوجد في فلسطين مدن متطورة في كافة المجالات، فلا يوجد مدينة لا يوجد بها مطار ومحطة سكة حديدة ،بالاضافة الى المصانع والشركات والبنوك المتنوعه في كافة المجالات،وكان يوجد في فلسطين اكبر مصفاة نفط في المنطقة (مصفاة حيفا) ،واكبر ميناء في المنطقة (ميناء حيفا). الأنشطة الرياضيةتعود جذور الحركة الرياضة في فلسطين إلى نهاية القرن التاسع عشر عندما بدأت بعض الإرساليات الأجنبية بتأسيس مدارس لها في فلسطين، ففي عام 1908 شكلت مدرسة المطران في القدس أول فريق كرة قدم على مستوى رسمي،وفي عام 1928 تأسس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في القدس، وانضمت فلسطين رسمياً للاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1929، وبلغ عدد الأندية الرياضية في فلسطين في تلك الفترة نحو 65 ناديًا، منها نادي الدجاني والأرثوذكسي في القدس ، ونادي اسلامي يافا واسلامي حيفا،وفي عكا النادي القومي وعكا الرياضي،وفي غزة نادي غزة الرياضي،والنادي العربي،والنادي الأرثوذكسي، ومن أشهر اللاعبين الفلسطينيين في تلك الفترة، جبر الزرقة ، جورج مارديني ، ميشيل الطويل ، عبد الرحمن الهباب ،رشاد الشوا ، حيدر عبد الشافي ،جورج رشماوي. ثم أخذ النشاط الرياضي في النمو وأصبحت الرياضة تشكل جزء من الوعي الاجتماعي لدى فئات مختلفة من السكان، وعنصرا مكونا من عناصر الثقافة الفلسطينية ، لذا فإن ظهور بعض الأندية كان يعود لأهداف رياضية ومن ثم اجتماعية وثقافية، حيث كان نشاطها الرياضي يشكل الجزء الأكبر بين بقية النشاطات (مثل النادي الرياضي الإسلامي في يافا والنادي الرياضي العربي في القدس). كما كان هناك العديد من الأندية التي نشأت كأندية اجتماعية وفيما بعد تحولت إلى رياضية (كالنادي الدجاني في القدس). بدأ النزاع العربي الصهيوني في المجال الرياضي يبرز في العشرينات بعد وعد بلفور وبداية الانتداب البريطاني على فلسطين ،وعملت الصهيونية على توسيع رقعة نشاطاتها الرياضية في فلسطين من خلال تأسيس الأندية )المكابي ، الهابوعيل ، البيتار) في المستعمرات ، ونقل العديد من الأندية من أوروبا إلى فلسطين . لقد كانت الحركة الرياضية الفلسطينية في ذلك الوقت في بداية طريقها وكانت هذه الأندية كمؤسسات اجتماعية مرتبطة بالحركة الوطنية ، حيث كان تصديها لهذا الاخطبوط الصهيوني نابعا من توجيه بعض الانتقادات عبر الصحف الفلسطينية. كان الاتحاد الاتحاد الرياضي الفلسطيني العربي يسعى لتمثيل فلسطين في في الاتحاد العالمي لكرة القدم الفيفا ، فقد كان يعمل بتنسيق مستمر مع الاتحادات الرياضية العربية من اجل نيل دعمها في الاتحاد الدولي . ولا بد للإشارة إلى أن الحركة الرياضية الفلسطينية انطلقت بخطى متسارعة منذ عشرينات القرن الماضي ،على أسس تنظيمية اجتماعية ووطنية تحقق النجاحات على الصعيد الرياضي، وتعكس الهوية الوطنية الفلسطينية،وهذه النجاحات تعتبر قاعدة بناء للحركة الرياضية الفلسطينة المعاصرة . واليوم وبمناسبة مرور 68 عاما على النكبة والاحتلال،تبقى فلسطين قضية وطن سُلب وشعب شرِّد ،وحين يكون هناك احتلال، فلا بد من مقاومة ذلك الاحتلال،لتحري فلسطين من بحرها الى نهرها ، ولو بعد حين ،وستبقى فلسطين متجذرة في وعي أجيال الشتات، بل في وعي أبناء الأمة العربية ووعي المسلمين جميعا،ما دام هناك قرآن يُتلى أناء الليل وأطراف النهار .