18 سبتمبر 2025

تسجيل

شعوبنا وما بعد الربيع

28 مايو 2012

عندما بدأت ثورات الربيع تحمس الكثير من الناس وفرحوا بزوال أنظمة سببت المعاناة لشعوبها من فقر وفساد وتسلط وبقي منهم نظام سوريا الذي مازال يسفك دماء شعبه ليبقى، ولأن الكبار لم يأذنوا بذهابه قبل حصولهم على أجندتهم لأمن إسرائيل. ولكن كانت هناك بعض المخاوف لمن اشتركوا في الربيع، فرأينا بعض الاختلالات في مصر، ورأينا اختزالاً للأوضاع في الماضي فقط والندب والبكاء دون النظر للمستقبل، ورأينا أن الشباب لم يدر ماذا يريدون وأن الساسة الذين أخذوا الراية قد دخلوا في دوامة الصراع على السلطة وتقاسمها والنفوذ، وفوجئ بعضهم بهذه السلوكيات، لقد صدم المصريون وهم يرون أن عدداً من قيادات المعارضة تتصارع على تقسيم السلطة وبلغ بعضهم أن يقود المظاهرات لأنه استبعد من الترشيح وتعدد المرشحون من جهة واحدة ولم يتفقوا على مرشح واحد، كان الناس ينتظرون أن يفكر الناس ويتحدثوا عن برنامج اقتصادي وتنموي وحملة لتعويض الخسائر والأمن والاستقرار وعودة الأمور لطبيعتها والمناقشة للترتيبات بعيداً عن الإثارة، وخسر عدد كبير من هؤلاء مكانتهم وصدم الناس بهم كانوا ينظرون إليهم بصورة أفضل. وفي اليمن فوجئ الناس بشعارات ترفع صور جيفارا الشيوعي وصور الدكتاتور الراحل إبراهيم الحمدي وبدفاع عن الحوثيين كيداً للنظام دون الحفاظ على الهوية والمبادئ وحصر الموضوع في شخص الرئيس وأسرته فقط، وراهن الشركاء على التخلص من بعض تماماً كما راهن علي سالم البيض وشريكه السابق خصمه الحالي الرئيس علي صالح.. كلٌ كان يخطط ضد الآخر، ثم بدأت الأمور تظهر وبدأت التناقضات، وإذا بنا نفاجأ في اليمن بالتكالب على السلطة وتغير هؤلاء وإغلاق أبوابهم التي كانت مفتوحة جزئياً في السابق وترفعوا على الناس ومارسوا مظالم ومضايقة الناس دون النظر إلى بعضهم ممن لهم دور في خدمة البلاد وغير ذلك وأصبح بعضهم يفرح ويفتخر بالمنصب ويريد أن يحقق طموحاته ونسي أن الكرسي مثل كرسي الحلاق لا يبقى فيه زبون دائم، ولو وصلت لغيرك ما وصلت إليك، وما وصلت إليك وليتهم يقرأون تاريخ أصحاب رسول الله وسيرتهم ورأينا بعضهم يحرص على ود الغرب لهم بكل الوسائل وبابتذال، ويتكبر حتى على زملائهم بدون اعتبار. وفوجئ الناس باستمرار الاضطرابات وأن القضايا ليست بالسهولة التي أرادوها فهناك تداعيات ودول لها أجندة وأن البرنامج والمخطط أكبر من شخص الرئيس وأهله بكثير وتوقع الناس حملات إغاثة وبرامج لتخفيف المعاناة ولكنهم صدموا بأن الأمر غير ذلك تماماً وأن الأمور تسير نحو المجهول. وفي ليبيا فوجئ الناس بالاستيلاء على المطار والصراعات القبلية ورفض تسليم السلاح واستمرار العنف وتمسك الفئات بالعصبية وعدم الاندماج في السلطة إضافة إلى الاحتقان بين عناصر السلطة وهكذا. هذه الظروف سببت استمرار الأزمة الاقتصادية والمعاناة وأضرت بالدور القومي للدول مما أثر على قضية العرب الكبرى التي نسيها العرب تماما وبدأت اسرائيل تعمل براحة وبدون معارضة في تغيير القدس والمستوطنات وظلم الشعب الفلسطيني، فالعرب ليسوا في هذا الوادي لأنهم في واد آخر هو اقتسام الغنائم والمهاترات والذئاب تجري وراء الأغنام، وواأسفاه. لقد جعل ذلك رجلاً كأحمدي نجاد يتحدى العرب في أبوموسى، ويصرح نائبه بضم العراق ويضطهد أهل العراق وغير ذلك والناس في عالم آخر، ويبدأ مسلسل السودان والحرب على سيادته والسعي لتقسيمه دون أن نجد من يتحرك لدولة شقيقة، لأن الكل مشغول بتقسيم التركة، حتى بلغ في بعض الدول أن يقول الناس كما قال العراقيون عن دكتاتورهم الراحل صدام رب يوم بكيت منه فلما صرت إلى غيره بكيت عليه، هذه كلها تؤشر إلى شيء مهم وهو سؤال لم أجد شجاعاً يوجهه بصراحة هل المشكلة في الحكام الراحلين فقط وهل بذهابهم تنتهي المشاكل أم أن المسألة ظاهرة سلوكية وثقافة بيننا وأن الحكام ومن معهم كانوا جزءاً من الأمة وليسوا من غيرها ومانزلوا من السماء علينا فجأة. نحن بحاجة إلى مناقشة هادئة لمشاكلنا، فنحن لا ندافع عن فساد وظلم الأوضاع السابقة ولا ما سيأتي من اللاحقة، ولكن السؤال أين المخرج؟ وأين العلة؟ وأصل المشكلة تكمن وهي بلا شك جماعية في سلوكيات وثقافة الأمة. نحتاج إلى مراجعة صريحة لابد أن يسهم فيها أهل الحل والعقد من علماء وأدباء ومثقفين وأهل الرأي، نحتاج لتشخيص للأمراض التي تعاني منها الأمة، والتشخيص في أهم نقاط وهي: 1- الثقافة الخاطئة لمختلف مكونات المجتمع في السلوكيات وأهمها الانفراد وعدم قبول الرأي الآخر والعصبية. 2- التراكمات الطائفية والعرقية والقبلية وأثرها في منهج الفكر. 3- التبعية وعدم التمييز بين الأصالة والمعاصرة وكيفية التميز في الانتماء مع الأخذ بتصورات الحياة. 4- عدم وجود خطة استراتيجية بعيدة المدى لحل القضايا العالقة. 5- اضمحلال الفكر الجماعي والوحدوي والانكماش إلى حدود دائرة ضيقة والبعد عن ثقافة وفكر الجماعية. 6- عدم وجود قناعة في دراسة وبحث المشاكل العالقة. 7- الإصرار على عدم إعداد الشباب ليكونوا عامل بناء وحمايتهم من الأفكار المنحرفة وسلوكيات العنف. نحن أمام خطر تعدد التجارب والعمل البراجماتي الآتي وعدم وجود نية حسنة متبادلة والكل يريد التسلق على ظهر الآخر وتهميش وإقصاء الطاقات ذات التجربة والنظرة المادية المبنية على المصلحة، واستمرار الصراعات وعدم الاعتراف بالدول كما حصل في بعض المناطق وعدم التفريق بين الدولة والحزب، كما حصل في ليبيا من الصراع القبلي والحديث عن القبلية والاستيلاء على  المطار وللأسف لم يحصل الناس على الأمن حتى الآن. إن المأمول هو أن يفكر الناس في جعل الأمة في مقدمة تفكيرهم لأنهم بعد ذلك سيكونون نسخة لمن سبقهم.