03 نوفمبر 2025
تسجيلبدأت الثورات العربية تلقي بظلالها الثقيلة على علاقات تركيا ببعض البلدان العربية، وكان لابد من أن تترك التطورات التي تمر بها المنطقة العربية ندوبها على علاقات العرب بتركيا نظرا لعدم وحدة المعايير التي اتبعتها تركيا في مواقفها مما يجري في الشارع العربي. ففي مصر كانت أنقرة مبادرة إلى استعجال رحيل الرئيس حسني مبارك وإلى زيارة القاهرة من جانب الرئيس عبد الله غول لحث الجيش على ترك السلطة في أقرب وقت إلى المدنيين الذين يبرز منهم حركة الإخوان المسلمين. لكن في ليبيا لم يكن الأمر كذلك حيث دافعت أنقرة حتى الأمس القريب عن موقفها المعارض لضرب الرئيس الليبي معمر القذافي أو التدخل الأطلسي في ليبيا. وكان الموقف من سوريا أكثر حرجا لتركيا حيث إنه بلد مجاور وتربط القادة الأتراك علاقات جيدة مع الرئيس السوري بشار الأسد. لكن الأتراك ما لبثوا أن تدرجوا في تصعيد موقفهم من الأسد وصولا إلى قطع الاتصالات به واستضافة الاجتماع الثاني للمعارضة السورية بدءا من يوم الثلاثاء المقبل في اسطنبول في رسالة قوية إلى النظام السوري وفي إشارة ربما على القطع النهائي لحبل العلاقة الذي قد يمهد لموقف تركي "أكثر تطورا" من الرئيس الأسد، قد يتضح خلال الأيام القليلة المقبلة ويسبق مباشرة الانتخابات النيابية التركية التي ستجري بعد أيام في 12 يونيو بما يخدم حصد رئيس الحكومة وحزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان المزيد من أصوات الفئات الدينية والمحافظة في تركيا. غير أن ما لم تحسب له تركيا هو الصوت الذي خرج من العراق وتطرق إلى قضية كانت في رأس التوترات التركية العربية في مرحلة ما قبل سلطة حزب العدالة والتنمية وهي مشكلة المياه بين أنقرة وكل من سوريا والعراق. وهذه المشكلة الناتجة عن بناء تركيا للسدود على نهري الفرات ودجلة ضمن ما يسمى مشروع "غاب" أدت إلى كوارث زراعية في سوريا والعراق كما إلى تلويث للبيئة نتيجة الانخفاض الكبير في كمية المياه الممررة إلى سوريا والعراق فضلا عن رداءة نوعيتها. وكانت سوريا والعراق تحملان المشكلة إلى جامعة الدول التي كانت تؤيد موقف عضويها العربيين. لكن مع تحسن العلاقات التركية – السورية والعراقية تخلت دمشق وبغداد عن حمل القضية إلى المحافل العربية والقانونية وذلك كرم لتطوير العلاقات المتحسنة بين العرب والأتراك من دون أن يترافق ذلك مع أي تغيير في الموقف التركي المصرّ على أن نهري الفرات ودجلة تركيين عابرين للحدود وليسا دوليين. وهكذا استمر الموقف التركي في عهد حزب العدالة والتنمية نفسه الذي كان في عهود طورغوت اوزال وسليمان ديمريل وسائر الحكومات العلمانية السابقة. التطور الجديد أن العراق يقف للمرة الأولى رافعا الصوت أمام التعنت التركي بشأن مسألة المياه، ويتفق كل الخبراء العراقيين على أن العراق الذي تلازمت حضارته مع وجود المياه ووصفت بأنها "حضارة مائية"يتجه نحو مشكلة تصحر كبيرة من جراء مشاريع السدود التركية على نهري الفرات ودجلة. والأمر ينسحب أيضاً على سوريا. ونظرا لأن العراق كان تحت الاحتلال ومر بفترة لا سلطة فيه ونظرا لأن سوريا لم ترغب أن تكون مشكلة المياه عائقا أمام تطور علاقاتها مع أنقرة فإن مشكلة المياه لم تثر من جانب العراق وسوريا. اليوم ومع استقرار الوضع في العراق ومع التوتر المتصاعد بين تركيا وسوريا أصبح الظرف مناسبا لإثارة مسألة المياه من جديد ودعوة تركيا لتوقيع اتفاقية جديدة تأخذ في الاعتبار القوانين الدولية. وهو ما فعلته الحكومة العراقية بتصريح وزير الدولة والناطق الرسمي للحكومة علي الدباغ بأن العراق لن يوقع على اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع تركيا إن لم توقع أنقرة على اتفاق جديد حول مسألة المياه. وأكد ذلك رئيس البرلمان أسامة النجيفي الذي قال إن اتفاقية التعاون الاستراتيجي لن تمر في البرلمان قبل اتفاقية حول المياه. سوريا الصامتة حتى الآن مشغولة باضطراباتها الداخلية، لكن انقلاب تركيا على علاقاتها الجيدة مع النظام لن يمر دون ردود فعل سورية خصوصا إذا نجح النظام في البقاء، وإذا كان من دروس يستفاد منها فيما يتعلق بقضية المياه هذه فهو أن العلاقات الدولية حتى بين الإخوة لا تبنى على الثقة والكلام المعسول والمشاعر بل بالترجمة العملية للمصالح وفي مقدمها توقيع اتفاقية جديدة للمياه بين تركيا وكل من سوريا والعراق.