02 نوفمبر 2025
تسجيلمعلومة مهمة تقول إن العين ترى وتدرك أكثر من 75% من جملة الإدراك التي تقوم بها حواس الإنسان في اليوم.. هذه المعلومة تقودنا مباشرة لخطورة الصورة وعندما نتحدث عن الصورة في الإعلام سنتحدث بالضرورة عن التلفزيون والفضائيات ونستحضر ما تقوم به تلك القناة الشقية المسماة الجزيرة.. الصّورة التلفزيونية تُخيف لأنها تفضح وتكشف، وإذا ما استحضر المرءُ قصص تحريم التلفزيون حين قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحريم التقاط الصّور للحرب على العراق وتحريم (إسرائيل) تصوير مداهماتها لبيوت الفلسطينيين وتجريف بساتين الزيتون، سنتيقن الخوف الأُسطوري الذي تتسبب فيه الصّورة بوصفها كشفاً وتعريةً، وإذا دخل الحدث في الصندوق الأسود فإنه في حكم المسحور والمسيطر عليه، ولهذا يتوسّل الذهن البشري بوسائل متنوعة للتعبير عن خوفه القديم من الصّورة. التلفزيون وسيلة الاتصال الأكثر حميمية، فأنت وأنا نشعر بالألفة والمودة مع مقدمي البرامج وقارئ نشرات الأخبار بل وضيوف البرنامج، ولهذا يكون التركيز دائما على اللقطات القريبة، وبذلك يكون التلفزيون أقرب إلى الاتصال المواجه المباشر، مثلما هو الحال مع الاتصال الشخصي وهو أقوى أنواع الاتصال، ولهذا فإن أذهان المشاهدين تكون دائما ملتصقة بالواقع ومرتبطة بحيز الحياة الواقعية، كما أن المسافة بين المشاهد والعرض تعتبر طبيعية ومباشرة في الوقت نفسه الذي تعبر فيه عن علاقة بين شخص وشخص. يقول خبراء الإعلام إن الصّورة عماد جهاز التلفزيون، وتنبني أهميته على قدرة الصّورة على تأسيس دلالات مزدوجة بما أنها تورية ثقافية جديدة وحادة من حيث هي نقلة أولية في الحركة، فالنص القديم ثابت سواء منه المكتوب أو المصور. والصّورة الحديثة التي ينقلها التلفزيون أطلقت الظّل وحررته من سلطة الجسد عليه. والصّورة بهذه الكيفية أصبحت تملك قابلية على خلق دلالات خاصة بها لا تتطابق مع دلالات الأصل. وكما كانت عناية المرء القديم بقبيلته من جهة وبنصه اللُّغوي خطابة أو شعراً حيث كان لسان الفتى نصفاً وفؤاده النصف الآخر، وكانت صّورة اللحم والدم فضلة زائدة، وأضحت العناية بالصّورة تُقابل العناية القديمة بالسمعة التي كان يرفعها أو يخفضها بيت شعر فصارت ترتفع أو تنخفض بصورة عابرة تقتل أحياناً وترفع الشأن أحياناً أخرى. لكن ما هي سلبيات الصّورة التلفزيونية؟. من المعلوم أن الإنسان يتعمّد إبداء أفضل ما لديه من وجه حسن تعلوه الابتسامة عندما يواجّه بـ"كاميرا" التلفزيون ومن ثمّ فإن الصحفي التلفزيوني قد يجد من الصعب عليه أن يقتنص الواقع أو الحقيقة، عندما تنطوي الصّورة التي يتعمدها المصدر أو الضيف على (احتيال) وثناء ذاتي.. الإمكانات الضخمة في الصّورة التلفزيونية فيها خطر كبير في حالات معينة تنطبق على المجتمعات الفقيرة التي تعيش في الأساس حالاً من الفصام بين ما هي عليه في الواقع، وما تريد مؤسساتها الرسمية أن تُظهره للعيان، حيث إن الصّورة التلفزيونية تشكّل بُعداً نفسياً كامناً في لا شعور المُتلقي، باعتبارها تفصيلاً حياتياً يومياً، ولأنها تتجه ببصره وحسه نحو فصام معيشي بين ما تراه العين، ويُقدّم على أنه واقعي، وما يعيشه المُتلقي باعتباره واقعاً حقيقياً بعيداً بهذا القدر أو ذاك عن الصّورة الموجّهة إليه، كما أنه سيشعر بالاستلاب إزائها، وسينقلب إلى متابع متلهف مواظب راكض في أحلام يقظته.