15 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر يوم 25 مايو يوماً استثنائياً للبنان، فهو اليوم الذي أنجزت فيه المقاومة الإسلامية المتمثلة بحزب الله انتصارها على جيش الاحتلال في العام 2000 بعد أن استلمت البندقية من الجماعة الإسلامية والأحزاب اليسارية التي كانت أول من فتح جبهة النضال في الجنوب اللبناني، وهكذا استطاعت المقاومة استعادة الأرض التي احتلتها إسرائيل منذ العام 1982 يوم اجتاحت الجنوب وصولاً إلى مدينة بيروت. هذا اليوم الذي يفترض أن يكون عيداً للبنانيين جميعاً على اختلاف أطيافهم وألوانهم السياسية حيث وضع لبنان على خارطة الدول التي استطاعت أن تحرر غالبية ترابها بقوة وشجاعة أبنائها الشباب الذين آمنوا بعدالة حقهم وقوته في استرجاع أرضهم، لم يكن عيداً حقيقاً ولم يعشه اللبنانيون كذلك، رغم أن الحكومة اللبنانية أعلنته عطلة رسمية أقفلت فيه المؤسسات الحكومية. فاليوم المأمول فيه أن يتناسى اللبنانيون اختلافاتهم السياسية، وأن يأخذوا فترة استراحة لبضعة ساعات فقط ليتوحدوا أمام هذا الحدث الفريد لما له من رمزية وقيمة وطنية لم يفعلوا ولم يستطيعوا ربما! فعيد التحرير يأتي واللبنانيون منقسمون حول أنفسهم تخوينا وتناحراً، فما يعتبره البعض إنجازاً تاريخياً، سطره لبنان على غفلة من الزمن، بات آخرون يرونه بداية تحول لحزب أفرغ يده من مقاومة الاحتلال ليوغلها في دماء إخوانه اللبنانيين فارضاً عليهم أي لبنان يريد! وتحت أي حلف ينطوي، وهكذا.. فما كان سلاحاً شريفاً أصبح سلاحاً للتخوين وإرهاب الشقيق في الوطن.. وما كان يسمى سواعد التحرير والعزة أصبحت قبضات تضغط على رئة من تبقى من الشعب اللبناني لتخنقه. يحتفل البعض اليوم بعيد التحرير والبلد يعيش فراغاً سياسياً وتردياً اقتصادياً وتدهوراً اجتماعياً، إذ مضى على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي أربعة أشهر وحتى اللحظة لم تبصر حكومته النور، لا لشيء سوى لاختلاف على الحصص والأسماء داخل ما يسمى بـ "الأكثرية الجديدة" التي يفترض أنها من لون واحد.. فلا شيء في الأفق يوحي أننا أمام ولادة حكومية طبيعية أو قيصرية، بل أغلب الظن أنه لا "حمل" في الأساس حتى نراهن على نوع المولود وشكله، والمتفائلون من يرون أنه لا حكومة قبل انتهاء فصل الصيف. وهو اليوم نفسه بالتمام والكمال الذي يكون فيه رئيس الجمهورية ميشال سليمان قد أكمل نصف ولايته في رئاسة الجمهورية، لكن سليمان أضعف من أي وقت مضى، وبعد أن كان يُنظر إليه على أنه "راعي للحوار الوطني" بين الأطراف اللبنانية المختلفة والمؤتمن على الدستور وحماية البلاد أصبح الآن طرفاً وفقاً لما يتهمه البعض، فسهام الغمز واللمز، التي يطلقها البعض، تُحيله في حلبة الصراع بين الأقطاب السياسية من حكمٍ إلى مصارع.. فلا هو قادر على أن يجمع اللبنانيين على طاولة لإدارة حوار مأمول بينهم، ولا هو يملك الحرية في أن يتخذ قراراً منفرداً يضع فيه حداً للاستنزاف المستمر في هيبة الدولة ومواردها. لبنان اليوم بلا أفق سياسي يعيش، ولا إستراتجية واضحة يملك، والتيارات السياسية اللاعبة فيه لا تنظر أبعد من أرنبة أنفها، والمصارعة على الحصص والامتيازات داخل الحكومة ومؤسساتها يكاد يكون هو الشغل الشاغل لها في حين أن البلد يعيش ظرفاً استثنائيا عربيا وإقليماً. فما تشهده الساحات العربية من تغيرات، وما تمر به سوريا من اضطرابات تلقي بثقلها على لبنان في وقت لا يوجد من يقود دفة الأمور هنا، فحزب الله في واد وحلفاؤه في واد، أما خصوم الطرفين فهم في عالم آخر. الجميع يتحدث عن لبنان وتحصينه وحمايته من التداعيات التي تفرزها التحولات الجارية في الدول العربية القريبة والبعيدة ولا أحد يعرف كيف يحصن لبنان، بل من الطرافة أن ما يراه البعض طريقاً لتحصين لبنان يراه آخرون تدخلاً سافراً في شؤون الآخرين، ووضع البلد في عين العاصفة. وبين هذا الموقف وذاك، ينقسم الشارع اللبناني المنقسم بدوره على زعمائه في حين تمر الأزمة الاقتصادية كالمحدلة تطحن كل ما يقف في طريقها.. لنسأل – إذا حق لنا أن نسأل - هل بقي للبنانيين عيدٌ يحتفلون به؟!