13 سبتمبر 2025

تسجيل

الديمقراطية..هل هي كفر وحرام؟

28 أبريل 2016

في حوار إذاعي قال صاحبي الذي يسيء للصورة الانتشارية والتسويقية الدعوية للإسلام رغم أنه في ظني -بل يقيني- شديد الإخلاص لدينه وأنه يحترم الرأي العام ويؤمن بالسلمية..قال إنه يرفض الديمقراطية وأنها نقيض للإسلام.. ثم دعم رأيه هذا -ضد الديمقراطية- بالنقل عن أحد رموز الفكر الديني المعاصر الذي حكمه عليها بأنها كفر مخرج من الملة.. وأقول: لا بد في البداية من تقرير ثلاث حقائق؛ الأولى: أن الأمة تمر الآن بحالة ضعف حقيقية تطاول الشكل والجوهر والأداء والقناعات وأن الأمم في حال الضعف كما الأفراد يجب أن تتوقى العلل كما يتقي المريض نسمة البرد..الثانية: أن الديمقراطية وافد فكري أجنبي لا يؤخذ على عواهنه دون تهذيب وتعديل وإضافة ونقص..الثالثة: أن الأمة في الأعم الأغلب محكومة بنظم سياسية لا تقوم على قانون أو على دستور بقدر ما تتأسس على هوى شخص (الزعيم) وعلى الهوى المزاجي له وليس العلمي أو الأيديولوجي أو الحزبي..بالتالي فإن دون بلوغ الديمقراطية واحترام رأي الأمة وسماع صوتها خرط القتاد.فإن جئنا للديمقراطية التي يراها بعض الإسلاميين كفرا مخرجا من الملة ويفهم منهم رفضها والتنكر لها ويصدرون بموقفهم هذا رسالة سلبية عن الإسلام وسعته ومرونته وعن إسلاميتهم وانفتاحهم وموضوعيتهم فأرى أن موقفهم خاطئ بل شديد الخطأ؛ والصحيح أن ينظر للديمقراطية من زوايا خمس: الزاوية الأولى: أن الديمقراطية أشبه بالكأس الفارغ الذي يوضع فيه الخمر فيتنجس أو يصب فيه العصير البرتقال أو الماء الزلال فيكون شرابا سائغا لذة للشاربين. الزاوية الثانية: أن الديمقراطية التي في ذهن من يقبلها في الإسلام –مثلي- هي ذاتها الشورى التي في ذهن من يصر على الشورى ويرفض الديمقراطية؛ فكلانا يقصد الدفع باتجاه المشاركة السياسية والنقل السلمي للحكم والاستماع للرأي والرأي الآخر، والرجوع لقرار الشعب واحترام أغلبيته..ولكننا أيضا لسنا في وارد ديمقراطية نفر شريرون على الإسلام ولا يهمهم إلا أن يمتطوها ليبيحوا الحرام ويحرموا الحلال ويحرفوا دين الله عز وجل.. الزاوية الثالثة: أن القبول بالديمقراطية لا يعني بالضرورة أخذها بصورتها التي وضعت في الغرب أو التي تناسب الغرب؛ فالغرب ذاته أجرى عليها تعديلات كثيرة تختلف من بيئة لبيئة ومن زمن لزمن كي تتناسب مع أعرافهم ومصالحهم؛ بل إن منهم من أسقطها جملة واحدة ضمن أولويات سياسية أو مذهبية أو مصلحية..ثم إنه وبالعودة لمفهوم "الديمقراطية" لديهم يمكن إجمال معناها في ثلاثة مضامين هي (حكم الشعب لنفسه، والتداول السلمي للسلطة، والنزول على حكم الأكثريّة)..ولست أرى إشكالا إلا في الثلث الأول من مضمونها الذي هو حكم الشعب لنفسه إلا أن ذلك الإشكال يزول إذا تذكرنا أن الشعب يحكم وفق هويته ومقوماته الفكرية والثقافية المؤسسة أصلا على الإسلام؛ فما البأس في ذلك إذا قنن في الدستور ألا تخالف الديمقراطية شرع الله في حدود المعروف والمنكر؟الزاوية الرابعة: أن خسارة الشورى كتسمية يشبه إلى حد بعيد خسارة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسميته برسول عندما مسح من وثيقة صلح الحديبية وصف نفسه به تجنبا لإفشال الصلح لكنه كسب الصلح ذاته؛ ونحن قد نخسر تسمية الشورى لكننا سنكون وصلنا لحقيقتها ونكون كسبنا رواج فكرتنا وتعبيرا عن عدالتنا وسنكون خاطبنا الناس بما يفهمون.. الزاوية الخامسة: أن قداسة "الشورى" ليست في تسميتها أو مصطلحها اللغوي ولكن في معناها ومضمونها؛ وإلا لكانت الاستعاضة عن الشورى بألفاظ آخر "كالاستفتاء والاستطلاع" حراما، ولكانت الشورى المزيفة التي يدعيها البعض للتغطية على استبدادهم صحيحة وجائزة وهو ما لم يقل به أحد. آخر القول: يختلف الناس في فهم وتقبل الديمقراطية؛ فمنا من يصر على رفضها، ومنا من يصر على تقبلها، ولا بأس في الحالين إن لم نختلف على وجوب احترام التداول السلمي للحكم، وضرورة أن يكون شرع الله هو سقف الرأي العام؛ فلا داعي لأن يبحث باحث عن معارك تلهيه وتلهينا عما هو أهم وألزم.