03 أكتوبر 2025
تسجيلفي مواصلة لتناول موضوعات واقع العمل الخيري في دول مجلس التعاون الخليجي وتأثيراته التنموية والاقتصادية، أقف اليوم مع الشراكة التي تحققت في مواضع ومناسبات متعددة بين القطاعات: الحكومية والخاصة والأهلية، والتي انعكست إيجابيا على المشاريع التنموية التي تم تنفيذها في العديد من المناطق الجغرافية التي استهدفتها المؤسسات الخيرية الخليجية، من حيث جودتها وحجمها. ولا يخفى على المتابع، أن التدفقات المالية الكبيرة لا تتحقق لصالح مشاريع خيرية تتبناها المؤسسات الخيرية الخليجية دون دعم رسمي أو حكومي. وقد يصل هذا الدعم أن يبادر رأس الدولة بنفسه، أو من خلال توجيهه للمؤسسة المسؤولة بدعم قضية خيرية محددة. حيث يمنح هذا الدعم الرسمي المباركة والشرعية، لتبدأ معها حملات جمع التبرعات وتحصيلها. وتعود ممارسات الشراكة بين القطاعات الثلاثة في دول مجلس التعاون الخليجي في مجالات العمل الخيري إلى فترات مبكرة من عمر هذه البلدان الخليجية، خاصة مع بدايات تأسيس الدولة بمفهومها الحديث. وإن كنت أعتقد يقينا أن الخيرية التي يتمتع بها أهل الخليج، حكاما وشعوبا، تنعكس بشكل مباشر على حبهم للعمل الخيري والتسابق في دعمه، والبحث عن موضع قدم لهم لمناصرة قضاياه في شتى بقاع العالم. لقد ظهر مفهوم الشراكة بين القطاعات المتعددة، بشكل واضح وملح في العديد من وثائق وتقارير الهيئات الدولية والمؤسسات العالمية وأصبح مطلبا أساسيا في قرارات المؤتمرات الدولية وتوصياتها، وبدأ المجتمع الدولي منذ انطلاق مفهوم "الشراكة" لأول مرة كمفهوم مهني في بداية التسعينيات في المطالبة بالشراكة الحقيقية والفعالة بين القطاعات الثلاثة الرئيسية في أي دولة (الحكومي – الخاص – الأهلي)، باعتبارها الخيار الإستراتيجي الملح لمعالجة القضايا والمشكلات المجتمعية المختلفة والنهوض بأي مجتمع نحو تحقيق الأهداف الإنمائية ولذلك أكدت وثيقة الأهداف الإنمائية للألفية على مبدأ الشراكة وعلى دور منظمات المجتمع المدني وتفعيل دوره في تحقيق هذه الأهداف. وانطلاقا من هذه الدعوة اتجهت الأنظار إلى مؤسسات المجتمع المدني، ومنها المؤسسات الخيرية والإنسانية بشكل خاص، وتنامت الدعوات بتعزيز ورفع كفاءة العمل في هذا القطاع ليقوم بدوره في التنمية، جنبا إلى جنب مع القطاعين الحكومي والخاص، وذلك لأنه يتميز عن قطاع الحكومة والقطاع الخاص بقدرته على تحسس احتياجات المجتمع في العديد من المجالات الحيوية والتنموية والإغاثية، وكذلك قدرته على إيصال خدماته إلى كافة شرائح المجتمع الصغيرة التي قد لا تتمكن مؤسسات القطاع الحكومي من الوصول إليها. كما تتميز المؤسسات الخيرية، بحكم نظام عملها وطبيعتها البعيدة عن البيروقراطية، والأنظمة والروتين، بأنها أكثر قدرة من المؤسسات الحكومية على التحرك بحرية أكبر. ويعني ذلك بالطبع أن تفسح الدولة (بوزاراتها ومؤسساتها الحكومية)، وكذلك القطاع الخاص للمؤسسات الخيرية، بتولي بعض الأدوار التي تولتها باعتبارها الراعي الوحيد لها، كالتعليم مثلا والصحة والمبادرات الاجتماعية والتنموية وغيرها. كما يبرز أهمية بناء القدرات Capacity Building للمؤسسات الخيرية في المجالات المختلفة للعمل الأهلي، ومنها الحكم الديمقراطي الرشيد، والمشروعات، والبرامج، والإدارة العامة، والإدارة المالية، لكي تتمكن هذه المؤسسات من القيام بدورها بكفاءة وفاعلية وتميز.