18 سبتمبر 2025
تسجيلمن ذا أصابك يا بغداد بالعين * ألم تكوني زماناً قرة العين .. " من شعر التراث " ثلاثة أيام قضيناها في الكويت انتظارا لتأشيرة دخول العراق أنا ومجموعة من الأسرة كنا ننوي زيارة بعض الأهل في الزبير , كان ذلك في العام 1986م حيث لا صوت فوق صوت المعركة هناك والكل مجيش بشعور القادسية وبوابتنا الشرقية , المهم أيام انتظار التأشيرة سمحت لنا بالتجوال في الكويت وأسواقها فصار أن دخلت دكاناً للصرافة للتعرف على شكل العملات العالمية , فالكويت سوق كبير ومعبر تاريخي للتجارة بين دول المنطقة والعالم هكذا كانت ولكن لم تستمر , وهناك فوجئت بغضبة كبيرنا في الرحلة العم عبدالعزيز المبارك الذي عمل طويلاً في القنصليات السعودية بين البصرة وبغداد وبيروت وفلسطين وكابل واكتسب خبرات عمل دبلوماسية كما يقول رغم بساطة وظيفته وهو ما جعله يمارس علينا دور القيادة والتوجيه وهو حفي بها لكبر سنه ورجاحة عقله وكانت غضبته أن احد الإخوان وشى عليِّ بنية شراء التومان الإيراني للذكرى ففزع الرجل فنحن في الطريق إلى العراق المتحارب بقوة مع إيران وربما مجرد جلب العملة الإيرانية معنا يجر على المجموعة مالا يطاق , كانت تلك فترة وانتهت ليغدو التومان عملة رئيسية يشترى به سمك المسقوف وتباع به كل الأشياء في العراق حتى ذمم الناس وخواطرهم فقد سقطت بوابتنا الشرقية وعلق حاميها على المشنقة ذات صباح بارد في يوم عيد وأضحية للمسلمين , فزفت بغداد إلى طهران خلسة في عرس أسموه أم المعارك وكان السيد بريمر كاتب عقد الزواج الذي صاق للعراق مستقبل جديد وأعيد تصنيف فسيفسائه الجميل بأبعاد تؤمن رضا قوم على قوم بروح التشفي وطموح لا تكفيه العراق وحدها فلم تعد دجلة تغني .. مرحبا يا عراق جئت أغنِّيك وبعض من الغناء بكاء كل أحبابي القدماء نسوني لا نوار تجيب أو عفراء عندما تبدأ البنادق بالعزف تموت القصائد العصماء " نزار قباني " حقا لقد ماتت القصائد تباعاً وصار الغناء بكاء , فما الفرق بين الدجيل وحادثة الثلاثاء في الحويجة وأين قاضي الإعدام منير حداد وأين كل القوانين التي يدعيها رموز القانون ودعاة الإنسانية , لقد غدا العراق عراقا ثانيا ذبلت فيه رياحين الرصافة و ماتت على ضفاف دجلة كل القيم فما طهر النهر ولا كتبت للناس السلامة بدماء من قتلوا ولا بحبر مخازن كتب الرشيد والمستنصرية , فنحن أمام عراق جديد ونهج جديد قوامه الانتقام فهل تتحرك مشاعر السيد بريمر ومن خلفه لحادثة الحويجة كما تحركت في الدجيل أم أن للدماء مواسم ومزادات تبعاً لسوق السياسة ومصالحها , فلا نقول إلا " أفً " لاستراتيجياتنا العربية وسنوات فرجتنا على وئامنا المكذوب الذي بجل صدام وضخم سيفه الذي غمسه في ظهر الكويت ذات مساء ولتكون ليلة الثاني من آب 1990م القشة التي قصمت ظهر البعير فقصموا بها الأمة لاحقاً لتذهب كل طموحاتنا وآمالنا أدراج الرياح بل ومعها بعض كرامتنا , فالمعضلة في فهم العرب لبعضهم وفي استراتيجياتهم المفقودة رغم كثرة اجتماعاتهم ومؤتمراتهم المستمرة , فما فهموا صدام حق فهمهِ من قبل وبعد الكويت ولا صاغوا لمستقبلهم ما يحفظ بواباتهم التي غدت معابر مفتوحة من كل اتجاه , عموماً ما يجري في العراق ليس استثناء بل هو تشفي ليد أدعت القانون لتقلب به الموازين الوطنية وتشكل اصطفاف بنكهة الطائفة التي مزقت العراق طويلاً دون أن تحمل له ولعموم شعبه الجديد والمريح .