13 سبتمبر 2025
تسجيلتتدخل أمريكا في ليبيا وتقصف الطائرات الأمريكية قصر القذافي، ولم نعد نحس بذات المشاعر التي كنا نحس بها لما احتلت أمريكا العراق وأفغانستان؛ فهل صرنا لأمريكا ومعها؟ وهل كنا مخطئين يوم رفضنا غزوها للعراق وأفغانستان؟ والنظم العربية التي تقتل مواطنيها الذين يطالبون بالحرية والحقوق المدنية ككل شعوب العالم نكرهها ونتمنى زوالها وقد كنا من قبل نحبها وندعو الله تعالى أن ينصرها ولم نكن نقبل أن تمس مواقفها بكلمة.. فلماذا بتنا نكرهها وهل كنا مخطئين من قبل في حبها والدفاع عنها؟ وجهات (إعلامية وسياسية ونخب فكرية وربما أشخاص بأعيانهم كم أحببنا (طلتهم) الإعلامية! وكنا نحرص على سماع تحليلاتهم ونراقب حركات أعينهم (وحتى نحنحاتهم) وطالما اعتبرنا كلامهم معقولا ورأيهم مقبولا صرنا نستثقلهم! وبعض من كنا ننقم مواقفهم ونراهم جنودا مجندة للشيطان الأمريكي أو للتهرؤ العربي صرنا نلقي بالا لما يقولون.. وفي لحظة ما ربما لم نجد فرقا كبيرا بين مقولاتنا ومقولاتهم وتعليقاتنا وتعليقاتهم وتحليلاتنا وتحليلاتهم.. فإلى أين نحن سائرون؟ الشيخ القرضاوي الذي له احترامه وجاهه ومواقفه حتى صار رمزا للعالم المجاهد العابد العامل وفارسا لكلمة الحق وله الاحترام في طول بلاد المسلمين وعرضها.. صار يتجرأ عليه صغار وكبار حتى أطلق بعضهم عليه شيخ الفتنة! فأين هو منها وأين هي منه ومما يقول؟ وقناة الجزيرة التي عشقها جيل كامل وسحرت أجيالا أخرى وشاركت منذ انطلقت في كل حروبنا وحركت كل مياهنا ونقلت الإعلام بل السياسات العربية نقلات هائلة حتى صار الكثيرون يضبطون ساعاتهم على موعد انطلاق الكرة الذهبية على شاشتها معلنة بدء النشرة الإخبارية.. صرنا نسمع اليوم من يتهمها بالتآمر والغوغائية! فهل كنا مخدوعين بها طول الوقت؟ وإلى أين نحن سائرون؟ أم اختلطت المفاهيم وأن أمرا ما تغير وغير معه كل شيء؟ وما هو هذا الأمر؟. وأقول: نعم جرى تغيير وهو تغيير كبير ولكنه ليس في القناعات وإنما في الملفات والعناوين المطروحة، وفي تموضع كل طرف فيها.. ومخطئ من كان يظن أن الاتفاق مع نظام أو جهة على قضية يعني الاتفاق والتطابق معها في كل شيء.. هذا هو الفرق بين التبعية العمياء والتحالفات والمحاور القائمة على وعي وبرنامج عمل وندية في الاحتياج والاحترام.. فإذا تقدم ملف مما يختلف عليه على ملف مما يتفق عليه هنا تمحص المواقف وتتميز العلاقات وأنواع التفاهمات.. هذا ما حدث وهذا ما لا يستطيع فهمه من يشترطون التطابق على كل شيء من أجل التنسيق أو التعاون في ملف ما.. ومثل هذا الخطأ وقعت فيه حركة فتح عندما رفضت التعاون مع حماس لأن لها قناعات مختلفة في محاور أخرى ما أدى ذلك إلى فقدانها – أي فتح - الحد الممكن من التفاهم ووصلت بالدوران مع الخلافات إلى حد القتل على الهوية والتصفية والغدر والتعاون مع العدو على قاعدة من ليس معها في كل المواقف وفي كل صغيرة وكبيرة وحتى في الأخطاء والانحشارات فهو ضدها.. جدير التأكيد على أن أي تفاهم أو تعاون لا يجوز شرعا ولا عرفا ولا عقلا ولا منطقا أن يتقدم على حقوق الإنسان أو المواطنين أو على مقتضيات الالتزام القومي والديني والفكري في أي بلد، وجدير التأكيد على أن المواجهة التي تخوضها النظم في اليمن وليبيا وغيرها ليست ضد العدو الصهيوني ولكنها ضد الشعوب وليست لأجل التحرير والصمود وتعزيز الاستقلال ولكنها تدور على البسطاء والغلابا وعلى طلاب الحرية وعلى الشباب الذين يصرون على عدم ممارسة العنف وعلى منع الفساد والاستبداد.. وليس المطلوب ولا الواجب على من ينظر في المشهد الدرامي لهذه الثورات والانتفاضات أن يقول إن ما ثبت من وطنية النظام الفلاني يبرر ما يقوم به من قتل مواطنيه وسحق حريتهم وحقوقهم وسرقة مقدراتهم.. يجب أن تكون الأمة وحقوقها وكرامة شعوبها وقضاياها الجوهرية فوق النظم وفوق المجاملات وأن تكون هي ميزان الحكم على المواقف والأشياء والنظم والسياسات لا أن يكون الولاء على (الصحوبية) والمجاملات والمصالح، ولا أن تكون على الخير والشر وعلى الصواب والخطأ.. قال الله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولم يقل إن أكرمكم هو ألصقكم صحبة ولا أنفعكم لفلان وعلان.. وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنما الطاعة في المعروف " وأبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم).. لن تنتهي النصوص التي كلها تتطابق على أن القيم الثابتة والمستقرة في الإسلام هي التي يجب أن تحكم المواقف.. وعليه فليس لأحد أن يتوقع أن وقوفه في وجه العدو الصهيوني أو دعمه لقضية ما من قضايا الأمة - أيا كان دعمه ونزاهته - يعطيه صك غفران أو ضمانة وحصانة من النقد والمعارضة.. وليس يحق لأحد أن يعول على المجاملات، ولا أن يراهن على المخاجلات، ولا أن يطلب ثمنا لمواقفه التي يفترض أنها محض اختياره وحقيقة ضميره وثوابت قناعاته، ولا أن يضن أو يمن بها على من أعانوه عليها بقدر ما أعانهم هو عليها.. وليس لطرف أن يرى لنفسه فضلا على آخر لموقف وقفه فكل طرف يحتاج الآخر في ذلك بقدر ما الآخر يحتاجه.. اللهم إلا أن تكون المواقف مجرد مقايضات ومعاوضات وظواهر مواقف لا حقائقها. فرق آخر هو أنه عندما تكون المعركة معركة شعوبنا ثم تأتي أمريكا، في ثنايا المشهد ويشترط المستعينون بها ألا تدخل قوات غربية برية وألا تحتل أرضا – كما الحاصل في ليبيا - فإن ذلك مختلف كل الاختلاف عما حدث في العراق وأفغانستان حيث جيء بالمعارضة من فنادق واشنطن وباريس ولندن وجيء بها من تحت طبقات النسيان والبذخ وبعضهم من أحضان الاستخبارات الغربية (أحد أقطاب المعارضة العراقية الذين جاؤوا على ظهر دبابة أمريكية اعترف بأنه كان ينتمي لستة عشر جهاز استخبارات غربي)!! آخر القول: لم تتغير القناعات ولكن الذي تغير هو عناوين الأحداث وملفاتها.. ويا ليت النظم التي كانت لها مواقف - وربما لا تزال – مع المقاومة وضد أعداء الأمة التاريخيين أن تتصالح مع شعوبها، وأن تبدع في إعطائهم حقوقهم، وأن تجنب أصدقاءها وحلفاءها من ذوي المبادئ والأخلاقيات الإسلامية والإنسانية حرج الفرز والمخايرة والمفاضلة بين القرب منها أو البعد عنها..