29 سبتمبر 2025

تسجيل

التعليم عن بعد... زورق نجاة لرياض الأطفال

28 مارس 2022

تعرضت البشرية منذ القدم للعديد من الأزمات والتحديات بمختلف أشكالها من كوارث طبيعية وحروب وأوبئة، والتي أثرت على مناحي الحياة كافة، وخلفت آثاراً سلبية عانت منها البشرية لسنوات عديدة. ويتعرض العالم اليوم لإحدى أشد هذه الأوبئة، والمعروفة بجائحة كوفيد- 19 التي شكلت تحديات صحية واقتصادية وتعليمية في جميع أنحاء العالم؛ ونتيجة لهذا أعلنت منظمة الصحة العالمية على إثر هذه الجائحة حالة الطوارئ، ودعت جميع دول العالم إلى أخذ التدابير والإجراءات الوقائية للتخفيف من حدة انتشار الوباء، وكان الحجر المنزلي والإغلاقات الشاملة من أهم هذه التدابير. ويعد قطاع التعليم – لا سيما رياض الأطفال- من أكثر القطاعات تأثرا بالجائحة بسبب إغلاق جميع المؤسسات التعليمية كإجراء احترازي لمنع انتشار الوباء، ونظرا لأهمية قطاع التعليم وارتباطه بتحقيق التنمية المستدامة والنهضة الشاملة في القطاعات الأخرى كان لابد من المحافظة على استمراريته باستخدام الوسائل الممكنة والمتاحة. ومرحلة رياض الأطفال إحدى المراحل العمرية التي لا تقل أهمية عن المراحل التعليمية الأخرى، بل تكاد تكون أكثرها أهمية لأنها تهتم بتنمية مهارات الطفل الاجتماعية والحركية والوجدانية، كما لها دور مهم في تكوين شخصيته وقدراته العقلية والجسدية، وتساعده في التعبير عن نفسه وخياله ومشاعره واحتياجاته، وتغرس القيم الأخلاقية لديه، وتعمل على تعزيز سلوكياته الإيجابية وتقوية مهاراته اللغوية، وتطوير مهارات التواصل الاجتماعي. هذا وتلعب المعلمات دورا محوريا في هذه العملية التي تعتمد في المقام الأول على مبدأ التعليم المباشر، وتقوم فيه بمهمتها الأساسية في رياض الأطفال، ألا وهي التدريس فإن عليها أداء مجموعة من الأدوار التي تتطور حسب سير العملية التعليمية والتربوية والسلوكية من تنظيم بيئة وإدارة موقف تعليمي، وإعطاء تعليمات، ثم تنتقل إلى إدارة مجموعات وغيرها من الوظائف التي تتطور باستمرار. لذا فمعلمة رياض الأطفال ليست مجرد مدرسة عادية فهي رائدة وأم حنون وقائدة، كما أنها رفيقة درب الطفل إلى العالم الخارجي؛ لأنها تمثل أولى المحكات التي يقابلها خارج نطاق الأسرة والتي من شأنها إكساب الطفل في الحياة السلوك الإيجابي أو السلبي نحو الوسط الذي يعيش فيه. إلا أن الظروف تغيرت، والأحوال تبدلت بعد ابتلاء العالم بهذه الجائحة، فجاء التعليم عن بعد كزورق نجاة للعملية التعليمية، فحماها من الغرق وضمن استمرارها واستقرارها. وتعد مهام الإدارة ومعلمات رياض الأطفال من المهام الصعبة، إذ تتباين هذه الصعوبة وفقا للمرحلة العمرية، فكلما كان العمر أصغر كانت الصعوبة أكبر، لذا كانت تداعيات التعليم عن بعد أكبر على المرحلة العمرية الصغيرة مقارنة بالمرحلة العمرية الكبيرة، حيث يمتلك طلبة المراحل العليا المهارات والخبرات التي تؤهلهم إلى خوض غمار تجربة التعليم عن بعد. إن دور معلمات رياض الأطفال تمحور في ظل هذه الظروف في تمكين الأطفال من الوصول إلى المفاهيم الجديدة بطرق غير اعتيادية وتفعيل دورهم في العملية التعليمية كمشاركين رئيسين من خلال استخدام الطرائق والوسائل التكنولوجية الحديثة، باستخدام الوسائط المرئية والمسموعة ليزيد ذلك من إقبال طالب رياض الأطفال وزيادة شغفه للتعلم. إن الدور التربوي لمعلمة رياض الأطفال دائما كان نصب عينيها، والمتمثل في تنمية شخصية الطفل من النواحي الجسمية والعقلية والحركية واللغوية والانفعالية والاجتماعية، ومساعدة الطفل على التعبير عن نفسه بالرموز الكلامية، وأيضا مساعدته على التعبير عن خيالاته وتطويرها، إلى جانب الاندماج مع أقرانه وتنمية قدرته على حل المشكلات. لذا كان النجاح في المهمة التي أوكلت إلى معلمات رياض الأطفال بالتعاون مع إدارة التعليم المبكر بوزارة التربية والتعليم ليس في إكساب طفل رياض الأطفال الجانب المعرفي فقط، فقد يكون الجانب المهاري والسلوكي متقدما عليه، فالصعوبة إذن في كيفية تعليمه - عن بعد – سلوكيات محددة مثل حبه لإخوانه، والتعاون معهم، والثقة بالنفس والإحساس بالانتماء، وكيف يتحمل المسؤولية والاعتماد على النفس. كل هذه الأمور من الصعوبة بمكان تعليمها في ظل التعليم المباشر، فما بالك بالتعليم عن بعد؟ لقد نجحت إدارة التعليم المبكر بالوزارة ومعلمات رياض الأطفال في دولة قطر في إنجاز كبير في هذه المرحلة، بإعداد برامج ومواقف تعليمية مخصوصة تناسب طفل هذه المرحلة من خلال جو من الحرية والحركة، يسوده المتعة والبهجة، ويتخلله اللعب والمرح. فكانت مهمة معلمات رياض الأطفال مهمة جبارة بذلن فيها أقصى وسعهن وقدمن فيها كل ما يملكن من خبرات وتجارب لإنجازها، وما كان لهن أن تكلل جهودهن بالنجاح لولا مساعدة إدارة حكيمة متمثلة في المديرة ونائبتها، فلم يكلل عملهن بالنجاح إلا حينما عملن كفريق واحد، بهدف واحد، وطرق مختلفة. وخلاصة القول إن ما قام به القائمون على التعليم في الوزارة ورياض الأطفال في ظل جائحة كورونا في دولة قطر دور مهم جدير بالإشادة، بل هو دور مؤسس تقوم عليه بقية المراحل التعليمية، لذا ينبغي أن نسلط الضوء على مميزات هذه التجربة الرائدة؛ لنشرها والاستفادة منها، والكشف أيضا عن أوجه التقصير فيها - إن وجدت - لمعالجتها.