15 سبتمبر 2025

تسجيل

لغتنا العربية من السموق والرفعة.. إلى الانحدار وفقدان الهوية

28 مارس 2011

قال صاحبي: زالت مكانة اللغة العربية، بعد ضعف أبنائها وتخلفهم عن الركب الحضاري العالمي.. هذا ما ذكرته في نهاية مقالتك السابقة، أرجو أن تفصل القول في ذلك وجزاكم الله خيرا. قلت: إن ضعف أبناء العربية وتخلفهم عن الركب الحضاري العالمي هو الذي أورثها هذه الحال التي يرثى لها وقد عبرت عن ذلك على لسان حافظ إبراهيم منذ أكثر من مائة عام: رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي وناديت قومي فاحتسبت حياتي رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي وتشير إلى العز الذي وصل إليه رجال الغرب بفضل لغاتهم التي أعزوها فأعزتهم، وبذلك أتوا بالمعجزات التي حققوها تفننا لبلادهم ويا ليت أبناء العربية يأتون بالمعجزات: أرى لرجال الغرب عزا ومنعة وقد عز أقوام بعز لغات أتوا أهلهم بالمعجزات تفننا فيا ليتكم تأتون بالكلمات والآن يقوم كاتب السطور برصد هذا الانحدار اللغوي وفقدان الهوية على بعض المستويات والأصعدة، التي تؤكد أننا جنينا على اللغة العربية أكثر مما جنى عليها أعداؤها. أ – الجانب السياسي: ذكرنا فيما سبق اهتمام ساسة المسلمين الأوائل باللغة، وكيف أن الحجاج ساءه أن يلحن في كتاب الله، ولم يطق أن يرى من لاحظ ذلك، فنفاه إلى خراسان، ولكن بعض الساسة اليوم استعجم لسانهم، فصارت ثقافتهم أجنبية ولسانهم أجنبيا لا يستقيم على العربية لدقائق معدودات، وعند استخدامهم الإنجليزية مثلا نراهم فصحاء. ب - الجانب الإعلامي: للإعلام دور خطير في توجيه الرأي العام، ونشر الثقافة الموجهة لخدمة أغراض معينة تسعى إليها الحكومات أو الهيئات، وقد لاحظنا أن هناك ضعفا في الأداء اللغوي بالنسبة للإعلاميين، رغم أن اللغة صنعتهم، ففي الإعلام المرئي – مثلا – نجد المحاور يعالج الحديث باللغة العربية، ويعاني من ذلك أشد المعاناة، ثم يفر بالحديث هارباً للحديث باللهجة العامية التي قد لا تكون مفهومة لكثير من المشاهدين كونهم من بلدان عربية أخرى، فيترك ما يجمع عليه الناس ويلجأ ما يسهل على لسانه. وبهذا الصدد يقول الشاعر المعاصر وليد قصاب: ومذيع أخبار يطيش لسانه ما ماز سينا قالها من ثاء أما الإعلام المقروء؛ نجد الكتاب يوغلون في استخدام لهجاتهم المحلية، بل في كثير من الأحيان يستخدمون العامية الهابطة لجذب الجمهور؛ فبدلا من رفع الذوق العام وتهذيبه وتقويمه تتم مسايرته على ما هو عليه، وفي هذا المجال يقول شاعر النيل: أرى كل يوم بالجرائد مزلقاً من القبر يدنيني بغير أناة وأسمع للكتاب في مصر ضجّة فاعلم أن الصائحين نعاتي أيهجرني قومي عفا الله عنهم إلى لغة لم تتصل بسرواة سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرى لعاب الأفاعي في مسيل فرات ج- الجانب الخدمي: رغم تأكيد القانون في بلداننا العربية على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، فإننا نجد بعض الوزارات لا تلقي بالا لهذا الأمر، وتستخدم العامية الدارجة في دعايتها. ومن مظاهر إعطاء الظهر للغتنا ما يحدث اليوم على الشبكة الدولية أثناء الاتصال بين الأفراد العرب، حيث نجدهم في حديثهم أو مراسلاتهم يستخدمون لغة توافقية فيما بينهم ويستخدمون فيها الحروف الإنجليزية مطعمة بأرقام، وتقرأ بالعربية، فيقوم هؤلاء الشباب والفتيات بتحويل بعض الحروف بالعربية إلى رموز وأرقام. والله من وراء القصد.