17 سبتمبر 2025

تسجيل

سوريا.. بين الفجر الصادق والفجر الكاذب

28 مارس 2011

أن تكون سورياً في هذا العصر السوري بالذات معناه أن تظل حائراً تضيع في مهامه التيه أو تطير في مهب الريح قشة لا وزن لها ولا اعتبار هذا إن شئت أن تحيا حراً كريماً، وأما إن أردت أن تعيش في حظائر الذكور لا الرجال، فإنك قد تجد لك مكانا فسيحا ومرتعا مريحا، وإن كنت على بساط الذل طريحا، وإن كل فرد سوري مشى فيما اختاره إن طوعا أو كرها في زمن القهر والظلم والاستبداد والاستعباد، واستحمار عقول أولي النهى والألباب، ولكنني بالرغم من ذلك أجزم أن السوري النظيف الشريف العفيف الوطني المحب لله ولسوريا والحرية مهما كان شأنه قد غدا منذ عشرة أيام إنساناً آخر انطلق وهب منقلبا على واقع الماضي الأليم والحاضر الرهيب الذي اصطنعه أرباب الابتكارات الثورية المزيفة وحكموه بها ومازالوا بالحديد والنار وجعلوا القبضة الأمنية من الهول والضخامة والقتل والإبادة بحيث غدت تستوعب جسم الأمة الجريحة برمتها في معظم المقاتل والجوارح المهمة وبقية الأعضاء حتى حازوا أعلى الشهادات البهلوانية في أكاديميات الاحتيال والغش والأذى واللصوصية والحقد والأنانية التي أعمت أبصارهم وبصائرهم وجعلت أكثرهم مثل الرجل الطحان الذي يتصور أن القمح إنما ينمو لتشغيل طاحونته وحسب كما قال المفكر غوته ونسي أو تناسى أن النرجسية وحب الأنانية سراب الضعفاء وأن الشقاء إنما يولد من حب الذات وأن المرء الشرير ليس إنسانا وهو كل من لا يعمل إلا لمصلحته الذاتية ومن يلوذ به كما قال سيروس، أقول: إن الذين يحكمون بهذه الأخلاق الذميمة شعوبهم لا يمكن أن يظلوا علامة صدق وحب وإخلاص وتقدم وازدهار كي تتبوأ هذه الشعوب مراكز الصدارة في التاريخ لأن الرأس إن كان فاسدا حاقدا فكيف سيصلح الجسد، بل سيقضي عليه لكن الذي يحدث الآن ما هو إلا خارقة من الخوارق التي أيد الله بها هذا الشعب الأبي فأراد أن ينتشله من وادي الهلاك المحقق إلى سفح الحياة الحرة العزيزة فهب من مدينة درعا الأبية بالآلاف وبكل فطرة وعفوية ليعبر الأحرار عن مطالبهم ويرفعوا رايات التغيير بالوسائل السلمية والبعد عن العنف كليا فكانت وما زالت احتجاجات حضارية وانتقادات حقيقية تتسم بنبراتها بسياسة الصدق لا النفاق وتفسح لنفسها مجالا لحرية التعبير المقيدة حتى القاع في بلاد لم تعهد هذا التقييد في عصورها الزاهية قبل ذلك وإن كل الشعارات التي انطلقت بها الحناجر هاتفة قد التزمت بالصيغ السلمية وحتى لا تجعل للحكومة والأمن مدخلا في الرد العنيف عليهم، ولكن الذي حدث وشاهده العالم هو ما رمز إليه الشاعر: إذا كان الطباع طباع سوء فلا لبن يفيد ولا حليب بدأ الرد بالعنف المفرط وسقط الشهداء حتى قاربوا المائة أما الجرحى فهم كثر جدا هكذا بالرصاص الحي يرمى المتظاهرون مما لا يمكن أن يتوقعه الإنسان في هذا العصر الذي ينادي المجتمع الدولي فيه بالحوار، وتستمر المأساة وما تزال دون تغييرات حقيقية لمطالب المحتجين ودون التأسف حتى على دماء الشهداء التي أزهقت ظلما وحقدا بل يطلع الإعلام الرسمي على الناس بأن عصابة صغيرة هجمت على سيارة إسعاف وتدخلت قوات الأمن وقتلت هذه العصابة الناس، وهو الفيلم الذي عرضوه مرة أخرى عن محافظات ثانية وبإخراج مفبرك واضح مزور، وإن هذه الأساليب عرفناها منذ كنا صغارا بمثل هذه الادعاءات غير الحقيقية التي بات حتى البله لا يصدقونها في عصر انفجار المعلومات وتقنية الإنترنت والتصوير والفيسبوك، ولعل من أعجب ما يدعو إلى السخرية والسخف أن تطلع علينا المتحدثة باسم الرئيس وهي كاتبة يبدو على مواضيعها الانفتاح والتحرر وإنكار الفساد كما نرى في مقالاتها عبر جريدة الشرق غالبا تطلع لتؤكد هذه الروايات وتزعم أيضا أن الرئيس لم يأمر بإطلاق الرصاص فهو رحيم بشعبه. وقد أصدر قرارا بذلك، ونحن نعرف في سوريا أن الرئيس إذا قرر أمرا فمحال حتى على أكبر الكبار في البلد إلا أن ينفذه إذن فمن الذي يرمي ولماذا لا يطاع الرئيس؟ والأنكى من ذلك أنها بل ووزير الإعلام ينكران ما يرسل إلى القنوات من توثيق الهجومات القاتلة للأبرياء المتظاهرين وكأن كل ما يرسل كذب وروايتهم وحدها الصادقة إذا كان ذلك كذلك فلماذا منعوا مراسلي القنوات والإذاعات من دخول درعا وأمروهم بالعودة إلى دمشق، ولماذا اضطرت القنوات إلى أن تتصل بشاهدي العيان ليزودوها كذلك بالأخبار، أفهؤلاء كاذبون أيضا، ولا ريب أن ما دافع به رئيس الصحفيين في دمشق أنه لم ير مظاهرات إلا ما كان مؤيدا للرئيس ولم يحدث قتل وجرح واعتداء على الجامع الأموي والجامع العمري وتدنيسهما وضرب الناس فيهما بالرصاص والعصي هو الأدخل في باب البعد عن الحقيقة التي يجب أن ينأى أي صحفي عن أن يخالفها، فضلاً عن أن يكون رئيسا للصحفيين أو غيره كبعض أعضاء مجلس الشعب الذين لا يعرفون الصراخ إلا من الأبواق الرسمية، بل الأدهى من ذلك والأمر أن تسمع مثل هذه الأسطوانة ممن نصبوه مفتيا للبلاد أن يكون كرفاقه مع الظالم ضد المظلوم ومع الجلاد ضد الضحية وكذلك من ادعى من أهل العلم سامحه الله أن هؤلاء المتظاهرين في درعا وغيرها ساعون إلى الفتنة وربما يتلقون أموالا من الخارج وإني لا أستطيع أن أخاطب أمثال هؤلاء ومن لف لفهم من السياسيين إلا بما قاله المعري: ثوب الرياء يشف عما تحته فإذا التحفت به فإنك عار أما كان الأجدر بهم لو كانوا مخلصين حقا أن يعزوا أسر الشهداء ويعملوا على العسكرة بجانب الضحايا وإسداء كلمة نصح حقيقية إلى السلطان الجائر. لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس نعم إنهم في هذا الباب مفلسون من الحقيقة سيما بعد تهجمهم على رمز التضحية والثبات والجهاد العلامة يوسف القرضاوي حماه الله وهو وإن لم يكن معصوما إلا أنه حجة على هؤلاء وأمثالهم وفي نهاية المطاف لدى هذه العجالة من فتح أول صفحة من الملفات الضرورية في سوريا للتغيير فقد يكون من المناسب أن نقول بإيجاز شديد للدكتورة بثينة شعبان مستشارة الرئيس إن ما عرض من نقاط ذكرتها في هذا الباب غير كاف أبدا ولا يلبي أدنى طموحات الشعب السوري الحر الأبي الذي بنى حضارة الأمم منذ عشرة آلاف سنة، وإني كنت أظنك أكبر من أن يملى عليك ولكن الذي يعمل مع الحاكم لابد أن يكون قراره بيده.. أببعض الليرات والمهدئات والاقتراحات التي قالت إنها كانت تدرس منذ خمس سنين يا جماعة منذ خمس سنين تأملوا الآن تأتي الفطنة بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى تريد متحدثتنا أن تئد ما تسميه الفتنة والطائفية ولعمري إن في ثنايا كلامها لدعوة لها إن عقلنا وللأسف، أين أصحاب القرارات وأين مدعو الممانعة ضد إسرائيل وهم يقتلون شعوبهم لابد لحلحلة الأمر إن صدقت النية من تلبية مطالب الشعب الذي هو أقوى من الحكومة حقا ولابد من فك أسر جميع معتقلي الرأي سابقا ولاحقا وحل مشكلة المهجرين من بلادهم ظلما وأن يسهم كل سوري ببناء سوريا لا أسرة واحدة إما أن تحكمنا أو تقتلنا فهذا الطرح ولى إن شاء الله إلى غير رجعة، وصب الله شآبيب الرحمة على شهدائنا الأبرار في كل ربوع سورية الحرة الأبية وسيروا على بركة الله. [email protected]