12 سبتمبر 2025
تسجيلتشتمل صفقة القرن الأمريكية وهي الصفقة التي يراد من خلالها إنهاء قرن من الصراع، على أبعاد دينية وتاريخية وسياسية وجغرافية وديموغرافية مختلفة، وتشتمل أيضا على مستويات من العلاقات الثنائية والجماعية بين إسرائيل ودول المنطقة، فالصفقة لا تعالج المسألة الفلسطينية الإسرائيلية فحسب!؛ بل تتعدى مجرد إيجاد حل للقضية الفلسطينية لكي تشمل إنشاء نظام إقليمي جديد في منطقة الشرق الأوسط. الصفقة وكما جاء فيها تشتمل على تقديم امتيازات مالية لدول المنطقة في سياق إقامة شرق أوسط جديد، على نمط الشرق الأوسط الجديد الذي نظر له الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرس في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) عقب التوقيع على اتفاق أوسلو، أو نمط الشرق الأوسط الكبير الذي نظرت له وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس خلال حكم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، وهو المشروع الذي بدأ التمهيد له عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والذي كان يهدف إلى إعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة من جديد على أسس مختلفة، تقوم على أساس تغيير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة من خلال الفوضى الخلاقة لإقامة نظام جديد على أساس طائفي وعرقي وديني لتبرير وجود إسرائيل كدولة يهودية. رؤية ترامب منذ دخولها للبيت الأبيض تسعى إدارة الرئيس ترامب إلى إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط من جديد على أسس جديدة، ترتكز على أساس استبدال الصراع العربي الإسرائيلي بالصراع العربي الإيراني، باعتبار إيران وليس إسرائيل العامل الرئيس لتهديد أمن واستقرار المنطقة، إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي في عهد ترامب تجاه إيران عملت على تصعيد الخطر الإيراني باعتباره العامل الأول الذي يجب مواجهته، لذلك خرجت من الاتفاق النووي مع إيران وفرضت عليها عقوبات اقتصادية متصاعدة بهدف إجبار إيران على فتح الاتفاق النووي والتوصل لاتفاق جديد شمل أربعة ملفات رئيسية، البرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي، ودعم الجماعات المسلحة، وتهديد أمن دول المنطقة. أخطر ما في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الراهنة هو تفكيك ما يشار إليه منذ عام 1967 بـ"نظرية الربط" بين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وحددت إدارة ترامب 3 تهديدات رئيسة على أمن الولايات المتحدة، وهي "طموحات روسيا والصين، والدولتان المارقتان إيران وكوريا الشمالية، والجماعات الإرهابية الدولية الهادفة إلى العمل النشط ضد الولايات المتحدة". البعد الإقليمي البعد الإقليمي في صفقة القرن واضح من خلال التركيز على العلاقات الإقليمية بين إسرائيل والدول العربية من خلال التعاون الأمني والسياسي المشترك عبر تكوين ناتو جديد يعمل على مواجهة التمدد الإيراني من جانب والجماعات المسلحة من جانب آخر. الطرح الأمريكي اشتمل على العديد من النقاط التي تستهدف إقامة مشاريع تنموية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط تكون اللبنة الرئيسة لإقامة نظام شرق أوسطي جديد يضم إسرائيل ودول المنطقة عبر تخصيص مبالغ محددة لكل دولة من الـ 50 مليار دولار التي رصدتها لتنفيذ الصفقة؛ بهدف تأهيل البنية التحتية لإقامة النظام شرق أوسطي الجديد. حيث تؤكد الخطة في البند المتعلق بالعلاقات العربية الإسرائيلية والشراكات الاقتصادية الإقليمية" ستشجع الولايات المتحدة بقوة الدول العربية على البدء في تطبيع علاقاتها مع دولة إسرائيل، والتفاوض على اتفاقات سلام دائمة" أي خلق مسار جديد من المفاوضات الثنائية بين العرب وإسرائيل للوصول لهذه الاتفاقات. وتؤكد في الصفحة رقم 29 من الخطة "أن التكامل الاقتصادي بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين (المفترضة) والمملكة الأردنية سيسمح لجميع الدول الثلاث بالعمل معا للمساعدة في نقل البضائع من أوروبا إلى الخليج والعكس، من خلال العمل على تحسين القطاعين الاقتصادي والسياحي لدول المنطقة"، وتؤكد الخطة أن ظهور الواقع الجديد للتكامل الإقليمي سيؤدي لتغير في السياسة الدولية وفي المجال الدبلوماسي، وهذا يتطلب الكف عن تقديم المبادرات المعادية لإسرائيل في الأمم المتحدة والهيئات الدولية والأخرى. تم استخدام الخطر الإيراني بصورة تجعل منه مبررا للتعاون الإقليمي الأمني والاقتصادي بين إسرائيل والدول العربية، كون أن الخطة تؤكد على مواجهة التهديدات المشتركة تتطلب تعاون وتحالفات لا يمكن تصورها في السابق من أجل مواجهة الخطر الإيراني، "التهديدات التي يشكلها النظام الإيراني الراديكالي أدت إلى واقع جديد، تتقاسم فيه دولة إسرائيل وجيرانها العرب الأمن وتصورات مشابهة بشكل متزايد، وتشترك إسرائيل وجيرانها العرب بشكل متزايد في رؤية الاستقرار والازدهار الاقتصادي في المنطقة. من شأن التعاون الاستراتيجي المعزز بين دول المنطقة أن يمهد الطريق لتحقيق اختراقات دبلوماسية وهيكلة أمنية لمنطقة أوسع في المستقبل". ومن أجل ضمان تحقيق ذلك تقترح الخطة إقامة نظام للأمن الإقليمي يكون بديلا عن المنظمات القائمة الآن، فالخطة تقترح إقامة نظام للأمن الجماعي تكون إسرائيل جزءا رئيسيا فيه، "إن تشكيل منظمة للأمن والتعاون في الشرق الأوسط على غرار النموذج المستخدم من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، على أن تكون تشمل ولاية هذه المنظمة الجديدة من بين أمور أخرى قصايا مثل الإنذار المبكر بالنزاعات وإدارة الأزمات". إدارة ترامب استغلت حاجة دول الخليج لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة بعد ما أصبح النفوذ الإيراني في المنطقة يهدد الأمن الإقليمي والداخلي لهذه الدول، من أجل دفعها لتأييد الطرح الأمريكي بغض النظر عن ماهيته، سواء كان هذا الطرح يلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية في دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، أو لا يلبي، وبغض النظر عن مدى مطابقة الموقف الأمريكي مع قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام أو لا. فالمحدد الرئيسي الذي انطلقت منه بعض الدول في إعلان ترحيبها المباشر بالصفقة هو ضمان استمرار الموقف الأمريكي تجاه إيران، خاصة عقب الجدية التي أبدتها واشنطن في التعامل مع إيران خلال الفترة الماضية عبر تصفية قاسم سليماني وهو الحدث الذي حاولت إدارة ترامب استغلاله من أجل الترويج لصفقة القرن. الرفض الفلسطيني من الواضح أن الرفض الفلسطيني للطرح الأمريكي يشكل التحدي الأكبر أمام تمرير الرؤية الأمريكية (صفقة القرن) للشرق الأوسط الجديد، خصوصا أن المقاربة الأمريكية الجديدة لحل الصراع تهدف في الأساس إلى تمرير النظام الإقليمي أكثر من الرغبة في حل الصراع من الأساس، كون أن إسرائيل استطاعت بفضل السيولة التي تشهدها المنطقة عقب ما يعرف بالربيع العربي اختراق جدار الرفض العربي ونسجت علاقات علانية وسرية مع بعض الدول العربية. الخاسر الأكبر من الرفض الفلسطيني للطرح الأمريكي هو النظام الإقليمي الذي تحاول إدارة ترامب تمريره من خلال صفقة القرن! نظام إقليمي جديد يقوم على أساس دمج إسرائيل في المنطقة وإقامة نظام اقتصادي وسياسي أمني تكون إسرائيل اللاعب الرئيسي فيه. وهو نفس فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي نظرت لها إدارة بوش الابن في سياق نظرية الفوضى الخلاقة، وهي الفوضى التي تهدم القائم وتبني جديدا! حتى لو أدى ذلك إلى إحداث فوضي في المنطقة. بشكل عام اللحظة التاريخية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط تم العمل للوصول لها بعناية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لذلك هناك من يرى فيها مؤامرة كبرى جاءت من أجل تبرير مشروع المحافظين الجدد واليمين القومي المسيحي الإنجيلي في الولايات المتحدة الأمريكية. بهدف إعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة بحيث تفضي لإنشاء دول وكيانات على أساس عرقي وطائفي وديني لتبرير وجود إسرائيل كدولة يهودية. المصدر: الجزيرة