12 سبتمبر 2025

تسجيل

أصبع على الجرح الفلسطيني .. ولا سواء ؟!

28 فبراير 2013

المساجلات الكلامية والمناكفات الإعلامية ومعوقات المصالحة عادت لتكون هي عنوان المرحلة بين فتح وحماس، وما أكتبه اليوم ليس من قبيل المشاركة في هذه المواجهات ولا لزيادة طينتها بلة ونارها تأججا ؛ ولكن لأن الكثير مما يقع الآن من التناقض ومحاولات ومن إعادة التذكير بالثارات القديمة قد وقع مثله في كل المرات التي انطلقت فيها حوارات المصالحة الوطنية منذ أربع سنوات وفي كل مرة كاد يتحقق اختراق حقيقي في المواقف المتشنجة.. هذا يعني أن بث الأمل وحده والتبشير بإمكانية المصالحة وحده أو التغطية على الحقائق بحجة عدم تسميم الأجواء لم يعد يجدي ؛ وعلى العكس من ذلك فإن علينا - نحن الكتّاب – أن نكون أكثر صراحة وصرامة ووضوحا من السياسيين المجاملين في تحميل المسؤولية وتشخيص الحالة التي بدأت تتحول إلى حالة دائمة وبدأت تحول الانقسام إلى انفكاك تاريخي مع طول زمانه وترسخ وقائعه وكثرة المستثمرين فيه ومع كل فشل في تجاوزه وإنهائه.. وإذن فلنكن صرحاء ولنكن مباشرين ولنترك دعوى الحياد الذي لا يجوز ولا يصح أن نتدارى به عندما تكون المراجحة – كما هي اليوم - بين طرفين أحدهما المصالحة والوحدة الوطنية والمقاومة والآخر الانقسام والتزييف وإغراق القضية في الحسابات الشخصية والفصائلية.. نعم ؛ يجب أن نحدد ماهية أزمة المشروع الوطني التحرري الفلسطيني ابتداء، ثم نقرر ما إن كانت طروحات صندوق الانتخابات بعد هذه الأزمة وما ترتب وانبنى عليها تصلح مدخلا للحل كما تصر عليه فتح والسلطة أم أن هذه الانتخابات هي مجرد دعاية للانصراف عن الأزمة الحقيقية ولمزيد من الإيغال في الانقسام والإصرار على بقائه.. ثم لنقرر نهاية مسؤولية أي من الفصيلين عن هذه الأزمة، وصولا للدور المطلوب منه لإنهائها.. وأقول:  أما أزمة المشروع الوطني التحرري الفلسطيني فأرى أن لها أوجها عدة أهمها ؛ 1- تشتت البعدين العربي والإسلامي عن القضية ونقصان أو انعدام الدعم الحقيقي لها، 2- خلو يد الفلسطينيين – في الضفة - من أية مناورات أو إمكانات لتصعيب الاحتلال على العدو وتكليفه ثمنا غاليا عنه وجعل العدو لا يحس بجدوى المراوحة أو المزاوجة بين عملية التسوية وضرب المقاومة، 3- تنكر العدو الصهيوني للتسوية وإصراره مع ذلك على بقاء التنسيق الأمني الاستخباري مع السلطة لمنع المقاومة وعلى إلحاق الاقتصاد الفلسطيني باقتصاده عبر اتفاقات مقررة وموقعة سابقا، 4- استمرار الاستيطان والتهويد والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والاعتداءات المتكررة على المساجد والمزارع والآمنين الفلسطينيين التي قلبت حياة أهل الضفة حتى من هم تحت سلطة السلطة إلى جحيم حقيقي وإلى احتلال مباشر، 5- الحصار المفروض على غزة، 6- الانقسام بين غزة والضفة وما تسبب فيه من تشتت الجهد الفلسطيني عن مواجهة الاحتلال وعن مشروع التحرير وتوفير فرص للعدو للتداخل على المعادلات الفلسطينية الداخلية.. وبنظرة ماسحة وتذكرية وترتيبية لعلاقة الانقسام بما سبقه وما لحقه يمكن الخلوص للحقيقتين الآتيتين ؛  الحقيقة الأولى: أن الانقسام وقع متأخرا زمانا ومكانا وأثرا عن كل أوجه الأزمة الخمسة ؛ بالتالي فهو نتيجة لها ولا يمكن إنهاؤه ما لم يتم الاتفاق على برنامج سياسي " الحد الأدنى " لا يسمح بعودته لمواجهة الأزمة، وأذكّر هنا بالمؤتمر الصحفي الذي عقده السيد عباس في ستراسبورغ بعد لقائه مع أعضاء البرلمان الأوروبي في بدايات حوارات المصالحة وأجاب يومها على سؤال: كيف ستتصرفون لو أن حماس قبلت بالانتخابات وفازت بالتشريعي والرئاسة ثم قررت أن تقصف " إسرائيل بالصواريخ " من جديد؟ فقال: (سنمنعهم ولو عاد الانقسام من جديد) وإذن.. فما قيمة مصالحة تتبعها انتخابات ويتبع الانتخابات فوز أو خسارة.. ما دام منع الصواريخ هو الأصل؟ ولنا أن نسأل هنا: هل ستستطيع المقاومة قصف تل أبيب بعد المصالحة؟ وأليس من حق حماس والمقاومة حينئذ أن تتخوف من هكذا مصالحة؟ وإن تخوفت وتهربت منها ومن مترتباتها وتعثرت بذلك مساعيها فمن المسؤول عن هذا التعثر؟ وهذا كله بالطبع مع افتراض أن حماس ستثق بشفافية ونزاهة وجدوى هذه الانتخابات..  الحقيقة الثانية: وبالنظر لأوجه الأزمة الخمسة السابقة على الانقسام يمكن القطع وبكل ثقة أن منظمة التحرير الفلسطينية وفي الرأس منها حركة فتح التي كانت تقودها ثم السلطة من بعد هي المسؤولة عن كل ذلك، ليس لأنها ليس لها تاريخ نضالي ولكن لأنها ضيعت هذا الرصيد في المناورات والتنازلات، ولأنها لم تستثمر وجودها في سدة القيادة وكونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وأن باستطاعتها وفق هذا الاعتبار وبهذه الصفة وبشبكة العلاقات والمصالح حول العالم وفي مؤسساته الدبلوماسية والقانونية والوجاهية ما لم يستطعه غيرها..  صحيح أن منظمة التحرير أولا ومنظمة فتح ثانيا والسلطة ثالثتهما لا تستطيع كل شيء ولا يجوز عدلا ولا أخلاقا تحميلها كل المسؤولية ففي القضية ملفات وإشكالات أكبر منها ومن حماس ومن كل الشعب الفلسطيني.. ولكن لا شك أنها تلام من ناحية ما كانت تستطيعه ولم تفعله "وهو كثير وعلى صعد كثيرة "، وتلام من ناحية أنها أعطت المبرر في كثير من الحالات لمن يكيدون للشعب الفلسطيني ومن يتآمرون عليه.. ولنتذكر هنا تجربة المنظمة وسلوكها في الأردن ولبنان وفي المشكلة بين العراق والكويت وفي المفاوضات مع العدو وتوقيع الاتفاقات التي حشرت الشعب والقضية تحت سقوف الاحتلال.. كل ذلك إنما تلام فيه المنظمة وليس حماس.  وإذا كنا بصدد تحميل المسؤولية بوضوح وصراحة – كما قلنا – فإن حماس والمقاومة وعلى العكس من المنظمة وفتح والسلطة يشاد بها وقد كسرت التابوات المغلقة وأبدعت الجمع بين السلطة والمقاومة وضربت تل أبيب ومستوطنات الضفة وحققت انتصارات كبيرة وصمودا أكبر في وجه هذا العدو.. آخر القول: بالنظر لملفات الأزمة الفلسطينية وعدم حصر المعالجة في الانقسام المترتب عليها، لا يمكن التسوية في تحميل المسؤولية عن فشل المصالحة بين المنظمة وفتح والسلطة ومن صنع الخلاف ولا يزال يسبح في بحره ويصر على أسبابه واتجاهاته ومترتباته من جهة وبين حماس والمقاومة الذين قدرهم أن يفرض عليهم الانقسام وأن يدفعوا وحدهم ثمنه.