ما الذي تبقى؟!

لا نريد أن ننفض الغبار عن الخلافات العربية المسؤولة بالدرجة الأولى عن ضياع فلسطين نكبةً ونكسةً، غير أن ما يجري هذه الأيام يشي بأن العرب لا يتعلمون أو لنكن أكثر دقة ونقول "لا يأبهون" بفلسطين بالرغم من إغداقهم اللفظي المؤيد للحق الفلسطيني الذي لو طبق جزء يسير منه لربما انتهى الصراع منذ أمد بعيد. زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس للمنطقة أماطت اللثام عن استعداد بعض الأنظمة العربية للتغاضي عن تغيير ديناميكيات الصراع لصالح إسرائيل، فهذه الإدارة المنفلتة من عقالها تعلن القدس عاصمة لإسرائيل ويأتي نائب رئيسها ليقول للعرب أن عليهم التعايش مع قرار الإدارة وأنه آن الاوان لأن يأخذ اليهود "حقهم" في فلسطين. لا نريد أن نشبعهم شتماً لأنهم سيلوذون بالابل إن استمر الحال العربي المهترئ على حاله، غير أن أي مراقب حصيف لا يمكن له إلقاء اللوم على الجانب الأمريكي الذي ما كان له أن يعلن عن صلفه لولا تفاهمات مع دول عربية وازنة قد تم التوصل إليها والتي قدم بموجبها التنازلات لصالح الكيان الصهيوني. بعيدا عما تصفه الادارات الأمريكية من تحديات تواجهها في المنطقة، إلا أن مصالحها ليست مهددة، ولا نذيع سراً عندما نقول بأن جزءا من العرب حافظ ومازال على المصالح الأمريكية، ومن هنا ما الذي تخشاه واشنطن لقاء انحيازها السافر لتل أبيب؟! لا شيء حقا. بمعنى آخر، لا تدفع الولايات المتحدة ثمناً باهظاً يدفعها لاعادة نظرها في مواقفها المتماهية مع اليمين الإسرائيلي. أعود إلى زيارة مايك بينس، فالرجل الذي وقف خلف قرار ترامب في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يؤمن بأيدولوجيا الكنيسة الانجليكية التي تدعم إسرائيل من دون أي تحفظ، وهو كما غيره في الإدارة الحالية يرى بأن الفوضى التي عمت المنطقة والتنافس العربي البائس ومآلات الربيع العربي قد خلقت فرصة ذهبية لترجمة بعض التوجهات الايدولوجية إلى واقع سياسي يفرض على النظام العربي. والحق أن هناك من بين العرب من لا يرى ضيراً في أن تنحاز أمريكا لإسرائيل على حساب الحق الفلسطيني. التسريبات الصحفية في عواصم القرار الدولي وحتى في تل أبيب تكشف عن تعاون يجري على قدم وساق تستفيد منه إسرائيل بالدرجة الاولى، فالسعودية مثلا مقتنعة بضرورة اقامة توازن قوى جديد في المنطقة لا يمكن أن تقوم له قائمة دون تحالف يضم دولا "سنية" وإسرائيل لتقليم أظافر إيران، وتكشف زيارات ضابط الأمن السعودي السابق أنور عشقي لإسرائيل عن تلهف سعودي لمثل هذا التحالف، الأمر الذي التقطته إسرائيل جيدا وبدأت تطلب مقدما تنازلا سعوديا وهنا الحديث عن استعداد الرياض تحويل القضية الفلسطينية برمتها الى ورقة. وبعد انهيار سوريا وانغماس مصر في معارك داخلية واختطاف لبنان مذهبيا وطائفيا لم يبق من دول الطوق إلا الأردن الذي أعلن بقوة عن معارضته للسياسة الأمريكية. وحتى لا يتحول الأردن إلى حجر عثرة بطريق التحالف غير المقدس بين الرياض وتل أبيب يتعرض الاردن لحصار اقتصادي لثنيه عن مواقفه القومية. الأردنيون بشكل عام يعرفون جيدا أن التضييق الذي تتعرض له بلادهم تقوده دولة عربية طائشة لا تسمح لأحد بأن يختلف مع رؤيتها، وأعلنوا في غير مناسبة بأنهم لا يأبهون بهذا الحصار، غير أن الاستمرار في تجويع الأردنيين ربما يخلط الأوراق في قادم الأيام. باختصار شديد، لم يبق شيئا يمكن أن يعتز به العربي الذي يؤمن بأن العرب هم أمة واحدة بعدما سقطت ورقة التوت عن عورة المندلقين والمهرولين تجاه تل أبيب.