14 سبتمبر 2025

تسجيل

هل انكسرت الثورة المصرية ؟

28 يناير 2016

من يفكرون بالأمنيات التي يتمنونها يرون مرور يوم 25 يناير في مصر كيوم ثوري اعتيادي دليلا على أن الثورة الشبابية والإسلامية قد انكسرت وأن الشعب المصري سيظل عاجزا عن تصحيح مساراته الدينية والوطنية والقومية التي قلبها نظام السيسي وأن القادم أسوأ.. فهل أمر مصر على هذا النحو من التوصيف؟ وأرى أن هذه قراءة قشرية، وأن تحديد ما إن كان الانقلاب قد نجح أو فشل ؛ يجب أن يبحث أربعة أمور ؛ الأول: طبيعة هذا النموذج من الثورات الشعبية، والثاني: طبيعة الشعب المصري المؤثرة في حراكه وفرصه، والثالث: حالة الانقلاب وما آل إليه، والرابع: إمكانات الثورة ومؤشرات مستقبلها.. وأقول: أما نموذج الثورة المصرية فهي ثورة من النوع الذي لا يحقق غاياته بالضربة القاضية ولا يأخذ وتيرة واحدة تصعيدا أو تخفيضا ؛ ولكنها موجات تتصاعد من قلبة لأخرى ؛ كما ثورة محمد صلى الله عليه وسلم – وأقصد أداءه الإنساني السببي – فقد ظلت تتقلب أربعين سنة قبل أن تستقر وتمتد بأفكارها التقدمية وإقليمها الجغرافي إلى فارس والروم.. وكذا في العصر الحديث فوجدنا الثورة الفرنسية تتقلب مائة سنة ووجدنا الثورة الإسبانية تتقلب أربعين سنة.. وأما عن طبيعة الشعب المصري فلا بد من رصد ثلاث خصائص تميزه وتجعله لا يثور عنيفا ؛ الأولى أنه شعب يستعظم الحاكم بما كان يصل أحيانا لتقديسه وتأليهه، الثانية: أنه شعب عاطفي ينأسر لمن يجيد استغلال هذه العاطفة كما فعل حسني قبل سقوطه بيوم عندما قال "هذا البلد ولدت فيه وعنه دافعت وفيه سأموت وأدفن" وكاد يقتل الثورة بقوله هذا.. السيسي فهم ذلك فلا يكاد يخلو خطاب له من النسج عليه.. الثالثة "أن الشعب المصري يصدق الصحافة وقد أجاد الانقلاب الاتكاء على هذه فشغّل مجموعة من مشاهير الإعلاميين والكتاب الذين برعوا في التلاعب باتجاهات الشعب حتى أقنع الكثيرين بأن ثورتهم تعني سقوط الدولة وأن الإخوان أعداء.. إلخ. وأما الانقلاب وما آل إليه ؛ فالحديث يدور عن أفشال مترامية متراتبة متراكمة يضاف إليها أفشال ستين سنة من حكم العسكر.. وهنا يجب أن نرى: * فشله بعد ثلاث سنوات في تحقيق الاستقرار كأول هدف لأي انقلاب.* وفتحه مصر على احتمالات سوداء، من جهة داعش، ومن جهة الانقسام الطائفي والجهوي والسياسي والمجتمعي، ومن جهة إسرائيل التي باتت تفكر في استعادة سيناء، ومن جهة عدم حمايته للنيل – هبة الله لمصر – الذي صار مقبلا على الإقفار والإفقار بعد سد النهضة وستة سدود تزمع دول المنبع إقامتها عليه.* وفشله في امتلاك شرعية الانتخاب وقد سمعنا رئيس نادي القضاة- المستشار عبد الله فتحي – يصف الانتخابات الرئاسية بقوله "لا توجد أي مخالفات أو خروقات ولا حتى ناخبين".* وتخلى الخليج- في المجمل – عنه ؛ فلم يعد راغبا في مواصلة دعمه في ظل مستجد التحديات والانشغالات الخليجية وما تسرب من استغلال السيسي لهم.* واستنفاده الأكاذيب التي لم تعد أكثر من نكات مهينة (ككذبة اعتقال قائد الأسطول الأمريكي وعلاج الإيدز بالكفتة والعاصمة الجديدة.. إلخ). * واستنفاده أدوات التأثير على البسطاء من علماء سواء إعلاميين كذبة وحقوقيين فاقدي الشرف وأحزاب مفضوحة قد انفضت عنهم الجماهير.. * وفشله في تقديم النموذج المنافس الشرعية والمعالج للمشكلات الأساسية. * ولا يزال يخسر بالتتابع مستنداته الخلقية والوطنية والشرعية. * ولا يزال يخاف من ميدان التحرير والانتخابات والإخوان. * وأن رئيسه يعيش خوفا قاتلا ممن حوله فهو يستعين بقوات حماية خارجية وخوفا من الملاحقة القانونية لذا يغيب عن مناسبات ودعوات إقليمية.وأما إمكانات الثورة ومؤشرات مستقبلها فنرى النقلة الهائلة والنوعية إذ يتصدر الإخوان قيادتها بما يصقل تجربتهم ويزيد ثقلهم وأثرهم استثناء على 80 سنة من عمر هذه الجماعة المباركة، ونرى 70 ألفا من الناشطين السياسيين في سجون الانقلاب لا يستطيع إعدامهم أو اجتثاث رأيهم، ونرى تضامن الناس معهم يوم قاطعوا تمثيلية الانتخابات.آخر القول: الانقلاب المصري ليس في عافية ومرور يوم 25 يناير كيوم ثوري اعتيادي إنما يؤكد أن ظروفا موضوعية تؤخر الثورة ولكنها لا تفنيها ولا تنهيها!!