28 أكتوبر 2025
تسجيلالاقتصاد المصري ربما يتعرض لهزات جديدة بعد الارتفاعات القياسية للدولار أمام الجنيه في السوق الموازية، مع عدم وجود تدفقات قوية للدولار في السوق المصري، في ظل زيادة الاستيراد وانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتأثيرات ذلك على حجم القروض والمساعدات الخارجية، مما أدى إلى تحرك سريع للبنك المركزي المصري بتحريك سعر الصرف للحد من الزيادة في الفرق بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية (السوق السوداء)، الذي تصنعه آليات السوق بعد نقص العرض وزيادة الطلب على الدولار من قبل المستوردين الذين تعذر عليهم الحصول على احتياجاتهم من المنافذ الرسمية والبنوك، وارتفاع فاتورة الواردات دون مبرر رغم أن السوق يعاني من حالة كساد، وإن كانت هذه الإجراءات قريبة من توصيات صندوق النقد لدولي التي توصي بتعويم العملة الوطنية وخفض الفائدة عليها بحجة تشجيع الاستثمار، والتي يرى بعض الاقتصاديين أنها خطوات تؤدي لانهيار العملة الوطنية، ولكن المخاطر تمتد إلى احتياطي النقد الأجنبي الذي شهد تراجعا للمرة الثانية على التوالي خلال شهر ديسمبر الماضي، مسجلا أكبر خسارة منذ يونيو 2013، قدرت بنحو 1.027 مليار دولار، ليتراجع إلى 15 مليار دولار خلال سنوات الثورة بعد أن بلغ رصيد الاحتياطي من النقد الأجنبي 36 مليار دولار في عام 2010/ 2011، ومما يفاقم الأزمة أن بعض شركات الصرافة لديها القدرة على ممارسة أساليب ملتوية للتعامل مع الدولار خارج نطاق الدفاتر والسجلات المعتمدة وبأسعار السوق غير الرسمية، وتحقق من ذلك أرباحا باهظة، مما يجعلها لا تعبأ بتحذيرات البنك المركزي، أو بالآثار السلبية لارتفاع التكلفة الإنتاجية لكل المنتجات الصناعية، خاصة أن البعض اندفع بقوة للبحث عن الدولار وتخزينه تخوفا من النقص المتوقع للاحتياطي النقدي من الدولار، بعد إعلان محافظ البنك المركزي المصري عن سداد مصر قسط نحو 681 مليون دولار، من ديونها للدائنين بنادي باريس، وإن كان ذلك يجب أن يدعو إلى الثقة والاطمئنان إلى أن مصر ملتزمة بسداد ديونها، وأن ثمة استفادة غير مباشرة سوف تتحقق بتراجع سعر المنتجات النهائية التي تؤثر على تحسن حجم الصادرات وكذلك تحسن الموقف التنافسي للمنتجات المحلية مع مثيلاتها في السوق العالمية، وزيادة عدد السائحين، وهذا سيؤدي إلى زيادة العائدات من العملات الأجنبية التي تضخ في الدولة وتعزز في ذات الوقت رصيد الاحتياطي النقدي من الدولار.وقد لجأت أمريكا إبان الأزمة الاقتصادية في 2008 إلى المحافظة على استمرار انخفاض سعر الدولار لأطول فترة لتحسين اقتصادها نتيجة لإقبال المستثمرين من كل دول العالم على الاستثمار في مشروعاتها وكذلك لزيادة الإقبال العالمي على منتجاتها لذلك لابد من الاستفادة من ذلك، خاصة مع قرب استضافة المؤتمر الاقتصادي العالمي في شهر مارس القادم، في الترويج للاستثمار في مصر وجذب أكبر عدد من المستثمرين من شتى أنحاء العالم، ويكون ذلك رسالة سريعة لدول العالم عبر المنافذ الرسمية في السفارات بمختلف الدول الأجنبية والعربية، ومن خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ولاسيَّما إذا نجحت مصر في الاستفادة من هذا الحدث وإدارته للحصول على أعلى فائدة ممكنة، وحتى لا يتمخض الموقف عن لاشيء، أو يتحول إلى مجرد مكلمة لا تعدو سوى تبادل رسائل إنشائية جوفاء، لأن الهدف من عقد مؤتمر مصر الاقتصادي هو جذب استثمارات أجنبية وعقد صفقات تسهم في توافر تدفقات مالية للبلاد، وتعمل على تنشيط الاقتصاد وتوفير فرص عمل أمام جحافل الخريجين المتعطلين والباحثين عن عمل. ولاشك أن ذلك إلى جانب ما يمكن أن تحصل عليه مصر من منح ومساعدات وقروض سيعمل على انخفاض سعر الدولار مرة أخرى، وإعادة القوة للجنيه المصري، وإن كانت أزمة ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه قد تنقل الاقتصاد المصري من بؤرة الاستيراد من الخارج إلى البحث عن حلول إستراتيجية بالتركيز على الإنتاج وتحسين الإنتاجية، ورفع كفاءة الأداء وخلق فرص عمل وفتح أسواق جديدة للتصدير وزيادة القدرة التنافسية في الأسواق العالمية.