12 سبتمبر 2025

تسجيل

مرايا..القطو العود ما يتربى.. لا تستعجلوا البرلمان وانتخابات المجلس البلدي المركزي خير تجربة وبرهان

28 يناير 2011

أبدا لن نستوعب مفردات الديمقراطية والانتخابات الحرة بين يوم وليلة، لأنها ببساطة عملية تراكمية تحتاج إلى سنوات بل عقود حتى نتشربها ويتربى أبناء المجتمع عليها منذ الصغر. في نهاياة الألفية الماضية، أو مع بداية الألفية الجديدة — لا أذكر تحديدا في أي سنة — خطت جامعة قطر خطوة إيجابية عندما طبقت اختيار أعضاء مجلس أمناء الجامعة عن طريق الانتخاب بدلا من التعيين كما هو معمول به سابقا. وبالرغم من أن الجامعة تضم صفوة المجتمع من الأكاديميين والباحثين وتلقى العديد منهم علومه وتخرج في جامعات دول متشبعة بالديمقراطية، ومارسوا فيها حق التصويت والاقتراع والانتخاب، إلا أن تجربة جامعة قطر لم تنجح وتم وأدها في ذلك الوقت، فلم تجد بدا من العودة إلى نظام التعيين وإلغاء نظام الانتخابات. الأمر ليس مفاجئا البتة، لأنه باختصار وكما يقول المثل الشعبي "القطو العود ما يتربى". فكيف باستاذ جامعي، مهما بلغ من مكانة أكاديمية، لم يقترع يوما في بلاده، ولم يمارس حق التصويت والانتخاب منذ صغره حتى في بيته أن يستوعب مفردات هذه العملية ويتقبلها فورا؟ إلا أن الوضع تغير لاحقا وبالتدريج، ففي عام 2006 قررت جامعة قطر تشكيل مجلس هيئة التدريس بالانتخاب، حيث ستستمر عضوية المجلس لمدة ثلاث سنوات كما يقوم الأعضاء المنتخبون بانتخاب رئيس المجلس ونائبه بشكل سنوي. ومثلما جرى انتخاب اعضاء المجلس في دورته الأولى في تلك السنة، تم في يناير من العام الفائت انتخاب اعضاء المجلس في دورته الثانية ففاز عدد منهم بالتزكية وآخرون بالتصويت الإلكتروني. وفي التاسع من مارس عام 1999 شهدت قطر أول انتخابات بلدية في البلاد في أجواء ديمقراطية لفتت الانظار وتابعتها وسائل الإعلام العالمية باهتمام كبير وتمخض عن هذه الانتخابات التي اعطت حق الانتخاب والترشيح للمرأة والرجل على حد سواء مجلس بلدي بدأ ممارسة نشاطه بعد شهرين من هذه الانتخابات ويستعد المجلس في أبريل المقبل لانتخاب أعضاء جدد لدورته الرابعة. وشكلت انتخابات المجلس البلدي المركزي في دورته الأولى، ومازالت، خطوة منهجية للدولة في تعزيز ثقافة الانتخابات بين المواطنين وممارستهم الحقوق الديمقراطية من خلال عملية تراكمية. والمتتبع لتجربة انتخابات المجلس التي مضى عليها الآن أكثر من 10 سنوات يلاحظ اختلافا كبيرا في درجة الوعي الانتخابي لدى المرشح والمترشح على حد سواء، وإن كان إلى الآن لا يرقى إلى الطموح المنشود. صحيح أن الدورة الأولى شهدت مشاركة كبيرة من الناخبين، حيث شارك في التصويت أكثر من 80% من الذين يحق لهم الاقتراع، وبلغ عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم حيث انتخبوا 29 عضوا من بين 227 مرشحا بينهم 6 سيدات لم تفز أي منهن « 17532» ناخبا من مجموع «21995» ناخبا مقيدا بالجداول الانتخابية. وتدنت نسبة المشاركة بشكل كبير في الدورتين الثانية والثالثة، إلا أن هذا التدني في حد ذاته يعطي انطباعا عن عدم قناعة الناخبين بالبرامج التي قدمها المرشحون بشكل خاص، وأداء المجلس البلدي بشكل عام، وهو ما يحتم على المرشحين في الدورة الجديدة أخذ هذه العوامل في الاعتبار، وتقديم برامج موضوعية قابلة للتحقيق وتدخل ضمن اختصاصات المجلس البلدي المركزي، وبالتالي عودة ثقة الناخبين لهم، وزيادة مشاركتهم في الاقتراع والتصويت مما يدل على الوعى الكامل والمشاركة الواسعة من جانب فئات وقطاعات الشعب المختلفة. كما أن هذه التجربة أفرزت الكثير من الأمور الإيجابية التي تصب في النهاية في تراكم ممارسة العملية الديمقراطية، ففي الدورة الثانية مباشرة التي أقيمت انتخاباتها في عام 2003 فازت سيدة، هي شيخة الجفيري، باحد المقاعد، لتكون أول سيدة خليجية تفوز بمقعد في المجالس البلدية أو البرلمانية عن طريق الانتخاب المباشر. كما أنه مع استمرار تجربة المجلس البلدي وما تحظى به من متابعة واهتمام إعلامي، استطاعت هذه التجربة أن تساهم في ترسيخ مفهوم المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وأن تؤدي لاحقا إلى مطالبات بإجراء تعديلات على قانون المجلسن وهو ما انفردت به "الشرق" التي نشرت في أواخر الشهر الماضي العديد من البنود في القانون الجديد والخاصة بتفعيل دور المجلس البلدى واهمها تأكيد الدور الرقابى للمجلس، وتحديد فترة زمنية للرد على توصيات البلدي، وحصانة الاعضاء داخل وخارج المجلس، ومحاسبة العضو الذي يتغيب 6 جلسات متفاوتة دون ابداء أي عذر أو أسباب. وتجربة المجلس البلدي المركزي بحلوها ومرها هي مؤشر لما سيلى ذلك من إجراء انتخابات لاختيار أول مجلس تشريعى منتخب مستقبلا الذي ناديت ومازلت بعد الاستعجال فيه لأن الوقت ما زال مبكرا، فانتخابات مجلس الشورى الذي نص عليه الدستور القطري الذي استفتي الشعب بشأنه عام 2003 تحتاج إلى المزيد من الوقت قبل أن تكون واقعا. ولا أرى أن الحكومة أخطأت في إرجاء انتخابات مجلس الشورى إلى وقت لاحق بعد أن كانت قد أعلنت سابقا أنها سوف تطلق الدعوة إلى انتخابات هذا المجلس. فتجربة المجلس البلدي المركزي خير برهان لعدم الاستعجال في إنشاء البرلمان. وبعيدا عن انتخابات المجلس البلدي المركزي وما تتيحه من مشاركة شعبية في ممارسة الحقوق الديمقراطية، الأمر الذي يعزز التجارب التراكمية لهم، فإن الدولة أطلقت الكثير من المبادرات على هذا الصعيد ومنها إقامة سلسلة من المؤتمرات والمنتديات المعنية بالديمقراطية والحرية والمستقبل، إنشاء واستضافة العديد من المؤسسات مثل مؤسسة الديمقراطية العربية ومركز الحرية الإعلامية. لكن المبادرة الأكثر إشراقا هي إطلاق البرلمان الطلابي في الجامعات وجميع مدارس الدوحة وفي مختلف المراحل الدراسية. فمدارسنا اليوم تشهد انتخابات سنوية حيث يترشح عدد من الطلاب للبرلمان ويقدمون برامج انتخابية في حين يقوم الطلاب الآخرون بانتخاب مرشحهم الأفضل في جو يعزز روح الشورى والديمقراطية لدى الجميع. إن تجربة البرلمان الطلابي هي الأكثر نجاعة في رأيي لتعزيز الخبرة التراكمية في ممارسة الحقوق الديمقراطية، فهذه التجربة تدرب الطلاب منذ صغرهم على ممارسة الحياة الديمقراطية، وزرع روح المسؤولية والديمقراطية في نفوسهم، وحرية الرأي، وتقبل الرأي والرأي الآخر. الكثير من أعضاء المجلس البلدي المركزي في دوراته المختلفة قدموا برامج ووعودا انتخابية غير واقعية، وحظيت بتأييد من المرشحين الذين اكتشفوا لاحقا أن هذه البرامج لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع. وهذا أمر طبيعي لأن المرشح وهو في الغالب في الثلاثينيات من عمره لم يحظ بفرصة الترشح سابقا وبالتالي ليس لديه الوعي الكافي بإعداد برنامج انتخابي متكتمل وموضوعي، كما أن الناخب لم تتح له فرصة التصويت والمشاركة في الاقتراع. عكس الطلاب تماما، الذي يقدمون الآن برامج انتخابية تخضع للتقييم والتحليل من قبل مدارسهم، فالإدارة المدرسية تقع عليها مسؤوليات جسيمة تتعلق بالإسهام في إنجاح العملية الانتخابية والمتابعة لما يتم اقتراحه وإقراره في اجتماعات البرلمان الطلابي والمراقبة والمتابعة المستمرة لأعمال البرلمان الطلابي. لا تستعجلوا البرلمان، وانتظروا حتى ترفد مدارسنا مجتمعنا بطلاب تعايشوا مع الديمقراطية وتشربوا مفرداتها منذ المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية.