14 سبتمبر 2025

تسجيل

طوفان الأقصى وتكرار التاريخ

27 ديسمبر 2023

من الطبيعي أن تعقد المقارنات بين الأحداث الجديدة والأحداث التاريخية، ولكن ليس من الضروري أن يتكرر التاريخ حتى لو كان الفاعلون يمثلون امتدادا للفاعلين التاريخيين فهناك الكثير من المتغيرات والعوامل التي تجعل النتائج بالتأكيد مختلفة. وتحديدا عندما يكون لدينا تغيير في عوامل مهمة جدا مثل الأفكار والشخصيات القيادية والتكنولوجيا. إذا كان المقصود بالتكرار هو وجود تشابه فهذا بلا شكل واقع وحاصل ولكن حدوث نفس النتائج بالتأكيد ليس شرطا. مع بدء عملية طوفان الأقصى وتحديدا الحرب البرية على قطاع غزة مع بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بدأ الحديث عن سيناريو حرب لبنان 1982 أو اجتياح بيروت ونتائجه وخاصة فيما يتعلق بطلب خروج المقاتلين ومغادرتهم إلى أماكن بعيدة ووجود تعهدات من عدة أطراف بالحفاظ على حياتهم وحياة عوائلهم. وحاليا تنشر عدة وسائل إعلام تابعة للاحتلال أخبارا عن نية حكومة الاحتلال ترحيل القيادات العسكرية لحماس مقابل إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين لدى الحركة، وفي الحقيقة يشير تزامن هذه الأخبار مع وجود عملية تفاوض أو عملية تحضيرية للمفاوضات إلا أنها لا تعدو كونها جزءا من عملية الحرب النفسية. صحيح أن الاحتلال هاجم لبنان في 1982 والآن ها هو يهاجم غزة، ولكن هناك الكثير الكثير من عوامل الاختلاف التي لا تخدم في النهاية فكرة تكرر النتائج، ومن هذه العوامل أن المعركة كانت على أرض دولة ثالثة والآن هي على أرض فلسطين واليوم الاحتلال يخوض معركة صعبة جدا ويتكبد خسائر غير مسبوقة، كما أن المقاومة قد سبقت بعملية خداع إستراتيجي وتمتلك الكثير من الأسلحة الفتاكة المصنعة محليا وتستند إلى حاضنة شعبية داعمة وما زالت تدك عمق الكيان وقد وضعته في حالة داخلية غير مسبوقة في تاريخه. إن نتائج حرب 1982 شاهدة على الانحياز الأمريكي والشراكة في الجريمة وكذلك التخلي عن المسؤوليات فعلى سبيل المثال قدم رونالد ريغن ضمانا شخصيا للمقاتلين بالحفاظ على أمن عائلاتهم في حال غادروا إلى تونس وقد غادر المقاتلون تحت حماية دولية حينها وذهب بعضهم لتونس والجزائر وجزء لليمن الشمالي واليمن الجنوبي والسودان وسوريا والأردن والعراق وتغيرت الخريطة السياسية للبنان وبعد خروج المقاتلين تم تنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا وذبح 3000 مدني أعزل بالرغم من التعهدات الأمريكية. ولو يعود الزمن وينطق المقاتلون في لبنان بعد أن رأوا مصير الكفاح المسلح ووضاعة التنسيق الأمني وفشل المشروع السياسي لفضلوا الموت على الخروج. وعلى المستوى الدولي كانت حرب لبنان 1982 في ظل نظام ثنائي القطبية وكانت الولايات المتحدة برئاسة ريغن قد أعطت دولة الاحتلال الإسرائيلي ضوءا أخضر ولمدة محددة وفي نطاق جغرافيا محددة ومع أن الأمس يشبه اليوم حيث قال ألكسندر هيغ وزير الخارجية الأمريكي في مقالة له في صحيفة أمريكية للاحتلال «نفهم أهدافكم ولا نستطيع أن نقول لكم لا تدفعوا عن مصالحكم». وقد تعدى الاحتلال الإسرائيلي اليوم المديات الجغرافية والزمنية التي يتوقع أن الإدارة الأمريكية قد حددتها مسبقا معه وما زال الاحتلال عاجزا عن تحقيق انتصار عسكري كما فعل في 1982. وعلى كل الأحوال هناك إرادة فلسطينية لا تتزحزح تفضل الاستشهاد ولا تستحضر أي سيناريو للخروج بل على العكس ما زالت عينها على القدس وعلى التحرير، خاصة أن معركة طوفان الأقصى في يومها الأول ثبتت صورة انتصار للمقاومة وزلزلت أسس قيام الاحتلال إلى ما لا نهاية.