01 نوفمبر 2025
تسجيل«إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً».. كما جاء في القرآن الكريم. والشهور المقصودة هنا هي الهجرية المعروفة، التي تمضي ومثلها الشهور الميلادية الاثنا عشر كذلك، وفق قانون كوني دقيق لا يتبدل، في دورة زمانية مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. سينتهي شهر ديسمبر الميلادي خلال أيام قادمة، كما انتهى شهر ذي الحجة الهجري. وينتهي عام 2018 الميلادي كما انتهى عام 1439 الهجري، ولا يتغير شيء من قوانين الكون كما أسلفنا، لكن نحن من سيتغير وكل ما حولنا من أحياء وجمادات، فهكذا هي سنّة الله في هذا الكون. الطفل بعد زمن ما يشب، والشاب بعد عقدين من الزمن يصير في كامل رجولته، ثم بعد ذلك يدخل الى عالم الكهولة ليعيش الكهل فيه سنوات قليلة يدخل بعده عالم الشيخوخة، لا يلبث بعده بقليل ويصل إلى أرذل العمر، حتى يكاد لا يعلم من بعد علم شيئاً، إلا ما رحم ربي وقليل ما هم.. وهكذا الأمور تسير في هذه الحياة. هي آية من آيات الله لننظر فيها ونتعظ.. لكن كم منا من يتعظ بهذه الآيات وغيرها؟ تلك البداية كانت حول الإنسان، أي إنسان في دورة الزمان. لكن ما يعنينا ها هنا اليوم، هو الحديث عن الأحداث حول الإنسان الخليجي في عام واحد.. ولن أتطرق إلى كل المجالات حوله وإنما أكتفي بعالم السياسة في منطقة الخليج. ذلك أن العام الميلادي 2018 سينتهي قريباً والأزمة التي أشغلتنا منذ أكثر من عام ونصف العام لا تزال على حالها. لا جديد على أرض الواقع، سوى مزيد من تعميق الهوّة والفجوة التي أحدثتها الأزمة بين شعوب المنطقة، والتي تحتاج ليس أقل من جيل كامل يمر لتتناسى وتتغافل عما يحدث الآن، ولا أقول تنسى، باعتبار أن ما يحدث الآن ليس بالأمر الذي يمكن تجاوزه بسهولة الكلام الذي نتحدث به أو نكتبه. من صنع الأزمة، تسبب في إحداث فجوة هائلة عميقة بين شعوب الخليج، في سابقة غير مشهودة بالخليج، الذي تعودت شعوبه أن ترى أزمات المنطقة السياسية محصورة في دوائر ضيقة بين سياسيين، لا تتأثر الشعوب بها من قريب أو بعيد.. لكن هذه الأزمة تختلف تماماً حتى صار طفل العاشرة يميز الأسماء والرموز والدول وبعض الأحداث، فما بالك بالشباب والكهول؟ فمثلما عاش الكويتيون عقدين من الزمن أو جيلاً كاملاً، لا يمكنهم تمرير ما حدث لهم إبان غزو العراق للكويت عام 90، واحتاجوا سنوات عديدات كي يظهر جيل جديد لم يشهد أحداث تلك السنة البائسة، ليبدأ هو في مشروع تطبيع الأمور مع الجارة الكبيرة، مع حرص وحذر شديدين من جانب جيل الغزو.. فكذلك هذا الأمر سيتكرر مع الشعب القطري تجاه شعوب دول الحصار، لا سيما الإمارات والسعودية وللأسف الشديد.. فعلى رغم قوة العلاقة التي كانت بين هذه الشعوب، إلا أن ما حدث خلال عام ونصف العام فقط - وما زال يحدث للأسف - من إساءات متعمدة ربما لا يساورني كثير شك في أنها ليست عفوية، بل ممنهجة ومخطط لها مسبقاً، ودفعت الشعوب نحو أتون خلافات سياسية لم ولن تكون لهم ناقة فيها ولا جمل.. وستزيد دون شك، من فترة وأمد عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل يونيو 2017.. ◄ كيف السبيل لتجاوز الأزمة؟ سينتهي العام الجاري ويبدأ القادم بعد أيام قلائل، والأمور في الأزمة الخليجية لا أقول بأنها ساكنة، بل وصلت الى مرحلة لا أثر فيها لطريق عودة أو خط رجعة! ولا أريد أن أكون مفرطاً في التشاؤم، وإن كان في ديننا الحنيف مكروهاً أمر التشاؤم، لكن ظواهر الأمور والأحداث والأشياء خلال هذا العام والذي قبله، لا توحي لك أن انفراجة قريبة ستحدث في الأزمة، بل إن السيد الأمريكي الذي أراد أن يجمع أطراف الأزمة لحلحلتها، لم يجد إلى الآن أي بوادر تدعوه إلى التحرك بحماس، سواء عن قناعة من لدن نفسه أو بفعل ضغوط شخصية من بعض رموز دول الحصار عليه، وهو ما يدفعه إلى التأجيل مرة بعد أخرى، وخصوصاً أن مشاكل الولايات المتحدة الداخلية تعددت في وجهه، ومشاكلها الخارجية تنوعت وتعمقت، وبالتالي لا أظن أن أزمة الخليج ستلفت أنظار البيت الأبيض عن تلك المحدقة به من كل حدب وصوب.. لذلك لن يكون تجاوز الأزمة حتى بعد انفراجها، أمراً سهلاً علينا كقطريين.. سنحتاج سنوات من العمل الإعلامي التوعوي المنظم والمكثف، لمحو آثار وإفرازات الحصار من الأذهان، لاسيما الأذهان الفتية الشابة. سيحتاج كل منا إلى بذل جهود غير طبيعية بمعية مؤسسات مجتمعية عديدة، لطمس وإزالة أو تعديل الصور الذهنية السلبية الكثيرة التي ارتسمت في أذهانهم عن زعماء ومنفذي وأحداث حصار قطر. لكن ما يهمنا في هذه العجالة وبكل صراحة، هو أن نتمكن في قطر أكثر فأكثر، وننتهز فرصة هذه الأزمة والتوجه نحو الاعتماد على الذات أكثر فأكثر من بعد التوكل على الله، والوصول إلى درجة من الاكتفاء الذاتي في المشرب والمطعم والملبس وكذلك الدواء، وتوحيد الجبهة الداخلية وتعزيزها ضد أي عوامل فرقة وشرخ، مع تمتين وتقوية علاقاتنا الخارجية مع العالم وفق إستراتيجيات مخطط لها بعناية ورؤية واضحة.. وسنكون بألف خير من دون جوار الجور والظلم، كما قال سمو الأمير. إن الأحداث من حولنا في الخليج والإقليم أو القارة والعالم، أكثر مما يمكن أن تستوعبها هذه المساحة للحديث عنها أو استشراف مستقبلها، على رغم أن المؤشرات المختلفة تدل على أن العالم لن يكون في 2019 بأفضل مما كان في 2018 وهو مع ذلك، لا يمنع أن نرجو الله أن يكون العام الميلادي القادم أفضل مما مضى، ينتشر فيه الخير ويتنوع.. فإنه سبحانه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.