15 سبتمبر 2025

تسجيل

في (قوة) الموقف التفاوضي للمعارضة السورية

27 ديسمبر 2015

"عندما تُكثرُ التفكيرَ بمحدودية قدراتِك، تأكد أنها ستكونُ كذلك". هذه قاعدة شائعة في علم المفاوضات، وعالمها، يجدر بالمعارضة السورية التأمل فيها بشكلٍ كبير. الأرجح أن عملية المفاوضات في سوريا بدأت منذ زمنٍ بعيد، لكن المؤكد أن انطلاقها ترسخَ مع مؤتمر فيينا منذ أشهر. لابد من إدراك هذه الحقيقة لفهم كل ماجرى ويجري من يومها على إنه جمعٌ لأوراق تفاوضية، وهو مايقوم به النظام وحلفاؤه بمختلف الوسائل. وفي حين يُشكك البعض في قدرة المعارضة السورية على الدخول في هذا الاستحقاق الصعب، تغيب عن بال هؤلاء، وآخرين من المعارضة نفسها أحياناً، جملة تصريحات ومواقف وأحداث تصب في تدعيم الموقف التفاوضي لها، إذا رأتها بتلك العين أولاً، وعرفت كيف تستثمرها بعد ذلك.نطرح في هذا المقام بضعة أمثلة من أحداث الأسبوعين الأخيرين فقط.فيوم الأربعاء قبل الماضي، 16 ديسمبر، تحدثت كلٌ من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ومندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة سامنثا باور على أن "التوصل إلى حل طويل الأجل لا يشمل بشار الأسد".وفي نفس اليوم أيضاً، اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير جديد لها أن آلاف الصور التي تم تسريبها عن معتقلين قضوا تحت التعذيب داخل سجون نظام الأسد تشكل "أدلة دامغة" على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.في اليوم التالي، الخميس، وافق مجلس النواب الأمريكي على مسودة قرار طرحت للتصويت، تتعلق بفرض عقوبات مالية جديدة على ميليشيا حزب الله، بموافقة 422 نائباً على القرار، دون اعتراض أي نائب. ثم جاء يوم الجمعة يحمل تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بشار الأسد فقد شرعيته ويتعين أن يرحل عن السلطة ليفتح الباب أمام إنهاء "إراقة الدماء" هناك. وفي نفس السياق، شدّد كل من وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والبريطاني فيليب هاموند في الأمم المتحدة على ضرورة رحيل الأسد. وأضاف فابيوس إن المحادثات بين النظام والمعارضة لن تنجح إلا إذا كانت هناك ضمانات موثوق بها بشأن رحيل الأسد.بعدها بيوم، أكدت وزارة الخارجية التركية على أن تركيا تدعم الحل القائم على تنحي بشار الأسد من منصبه بعد تسليم كافة صلاحياته لهيئة الحكم الانتقالية خلال مرحلة الانتقال السياسي، وذلك تعليقاً على قرار مجلس الأمن الدولي 2254 حول سوريا.ويوم الأحد الماضي أكدت منظمة (هيومن رايتس ووتش) في تقرير أصدرته أنها وثقت "أكثر من 20 حالة استخدام للقنابل العنقودية" منذ بدء الاحتلال الروسي عدوانه في 30 سبتمبر الماضي. واعتبرت المنظمة في تقريرها أن استخدام القنابل العنقودية "يشكل انتهاكاُ للقرار الدولي 2139 الصادر عن مجلس الأمن في 22 (فبراير) 2014 والذي دعا نظام الأسد إلى وضع حد للاستخدام العشوائي للأسلحة (البراميل المتفجرة) في المناطق المأهولة بالسكان".أما يوم الثلاثاء فقد قالت وزارة الخارجية النرويجية إنها تراقب بقلق شديد الحشد العسكري الروسي في سورية، موضحة أن التقارير التي تخرج حول قصف الطيران الروسي الذي يستهدف أهدافاً أخرى غير تنظيم داعش تُعقِّد الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي. وأوضحت الخارجية أن القاعدة الأساسية التي يستند عليها المجتمع الدولي لمثل هكذا حل هو بيان جنيف.في اليوم التالي، الأربعاء، أعلنت منظمة العفو الدولية أن القصف الجوي الذي تشنه طائرات الاحتلال الروسي في سورية قد يرقى إلى جريمة حرب، بسبب عدد المدنيين الذين قتلتهم الضربات الجوية، والتي ذكرت المنظمة الحقوقية أنها تظهر أدلة على انتهاك القانون الإنساني.وخلال اليوم نفسه، أكد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في افتتاح جلسة مجلس الشورى السعودي، على ضرورة الانتقال السياسي في سوريا، والذي "يتضمن وحدة السوريين وخروج القوات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية، التي ما كان لها أن تجد أرضاً خصبة في سوريا لولا سياسات نظام الأسد التي أدت إلى إبادة مئات الآلاف من السوريين وتشريد الملايين".يوم الخميس أصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع قراراً لتسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى ملايين السوريين، من دون موافقة مسبقة من نظام الأسد، لإغاثة مئات آلاف المدنيين، لا سيما في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد. وأدان مجلس الأمن "استمرار وجود العراقيل أمام نقل المساعدات الإنسانية عبر خطوط القتال وتكاثرها" متهماً نظام الأسد "بمنح تصاريح لعدد قليل من القوافل فقط".في نفس اليوم اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار المقدم من السعودية والإمارات وقطر عن حال حقوق الإنسان في سوريا. وجدد مشروع القرار تأكيد الالتزام بإيجاد حل سياسي للأزمة وتطبيق بيان جنيف وإطلاق عملية سياسية بقيادة سورية تؤدي إلى تحول سياسي يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري من خلال هيئة حكم انتقالية شاملة ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، وبما يضمن استمرارية المؤسسات الحكومية. وأدان بشدة جميع انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان وجميع انتهاكات القانون الدولي الإنساني المرتكبة ضد السكان المدنيين، ولا سيما جميع الهجمات العشوائية، بما في ذلك استخدام البراميل المتفجرة في مناطق مدنية وضد البنية التحتية المدنية.هذه التصريحات والتقارير والمواقف والقرارات كلها عناصر قوة في الموقف التفاوضي للمعارضة السورية، وكل عنصرٍ منها يحتمل التوظيف والاستثمار بطريقةٍ خلاقةٍ ومؤثرة. لهذا، لاينبغي مرورها كـ (أخبار) يومية مثلما هو حالُها بالنسبة لبقية الناس. هنا يكمن المعنى الحقيقي للسياسة باعتبارها (فن المُمكن). فهذا (الممكن) لدى البعض مُستحيلٌ لدى آخرين، في حين أنه (أقلﱠ الممكن) لفريقٍ ثالث يجب أن تعمل المعارضة كل ماتستطيع لتكون جزءاً منه في أقرب الآجال.