31 أكتوبر 2025

تسجيل

تونس بين الثورة والثورة المضادة

27 ديسمبر 2014

في حوار مع صحيفة الخبر الجزائرية يوم الخميس الفائت، رأى رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، أن قارب تونس هو الوحيد الذي وصل إلى برّ الأمان من بين خمسة قوارب أبحرت في محيط الثورات الشعبية في العالم العربي. فالشعب التونسي اختار خط الوسط في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، مبتعدا ومُبعداً أحزاب الطرف، سواء كان طرفا ثوريا مثل أحزاب شركاء الترويكا قبل خروج النهضة منه أو طرفاً انقلابيا مثل "التجمعيين" انصار النظام القديم ، فلا هؤلاء ولا أولئك نالوا أهمية تذكر في الانتخابات البرلمانية في حين صوت الشعب لصالح نداء تونس ومن ثم حركة النهضة. كان واجبا على النهضة أن تتخلى عن الخط الثوري لصالح التوافق والإصلاح التوفيقي في زمن لا ثوري، وفي بيئة معادية للثورات. وكانت التجربة المصرية ملهمة للنهضة في تونس كي تتخذ قرارها، كما يقول الغنوشي.طبعا تصورات وأحكام لا يؤيده عليها الإسلاميون ممن تبنوا خط الثورة أو وجدوا في الحياد الذي انتهجته النهضة تجاه المرشحين للرئاسة التونسية تخاذلا وخذلانا، وقد تُرجم بخروج قيادات من الحركة مثل حمادي الجبالي الأمين العام السابق للنهضة. بين الموقفين، تستحق الانتخابات التونسية وقفة متأنية قبل استشراف مستقبل البلاد سياسياً. فالمسار الديمقراطي كان موفقاً، ويعتبر النهج الوحيد الذي نجح من بين جميع الدول التي اجتاحتها الثورات العربية. وقد تقدم تونس نموذجا يحتذى عربيا في كيفية إدارة الأزمات واستيعاب جميع القوى الفاعلة في اطار بناء الدولة، وهو أمر تحتاجه أغلب دول المنطقة، ثم حصول المرزوقي على نسبة تزيد عن 45% من الأصوات يعني أن قوى الثورة ما زالت حية، فاعلة ومؤثرة، وقد تربك مسار الأحداث السياسية مستقبلا حيث بإمكانها تشكيل قوة ضغط هائلة لمراقبة المسار الديمقراطي في البلاد. كما أن الاضطرابات التي شهدتها مدن الجنوب التونسي والتي لا علاقة للإسلاميين بافتعالها مؤشرا حقيقيا على ما نقول، وهي إن كانت تعكس قلقا من عودة النظام القديم أو عودة الجنوب إلى حرمانه التاريخي، فإنها بلا شك رسالة الى الحكام الجدد كي يحددوا خياراتهم بدقة. نداء تونس حاليا لا يمثل الثورة المضادة ولا هو يمثل "التجمعيين"، انما هو حزب هجين يضم عدداً من القوى والشخصيات السياسية التاريخية، ومستقبل الوضع السياسي في البلاد متوقف على طبيعة النهج الذي سيسلكه النداء في ادارة البلاد خلال الفترة القادمة. وان يغلب على ظني أن الاولوية ستكون للوضعين الامني والاقتصادي، وسنشهد انخفاضا ملحوظا لعدد الجهاديين التونسيين في العالم نتيجة القبضة الامنية . كما ان تونس ستنخرط أكثر في التحالف الدولي لمواجهة الارهاب في شمال افريقيا نظرا لأثره الشديد عليها. بخصوص حركة النهضة فهي نجحت برئاسة راشد الغنوشي من الخروج من الحكم بأقل الخسائر الممكنة. بل حولت الخسارة الى ربح حين تراجعت خطوات الى الوراء. فقد اظهرت الحركة مرونة فائقة في التعاطي مع المشهد السياسي، وقد تنازلت عن حقوقها وهي تعلم يقينا ان النظم العربية القائمة لن تسمح لها بالعودة الى الحكم. وجاءت الانتخابات البرلمانية الاخيرة لتدفع باستيعاب النهضة داخل المجتمع التونسي باعتبارها مكون أساسي من مكونات المجتمع، وبالتالي أصبحت جزءاً لا يتجزء من المشهد السياسي وبناء الدولة فيه سواء شاركت في الحكومة المقبلة أو كانت في المعارضة إلا أنها ستبقى رقما صعبا في المشهد السياسي وهي تتعلم بسرعة تعقيدات السياسة وكفية التعاطي معها، وإن كنا نسجل عيبا على الحركة يتركز في تمحورها حول شخص الغنوشي، وبالتالي غيابه عن تصدر الحركة لأي سبب ما سيفتت الحركة تماما وربما تشهد الحركة خلال الايام القادمة انشقاق بعض الشخصيات والافراد منها، حيث تشهد صراعا داخليا بين القوى الثورية وبين القوى العقلانية البرغماتية داخلها. ويبقى السؤال: هل نجحت تونس في تحقيق مطالب الثورة أو في التحول الديمقراطي المطلوب؟ لا شك أن مطالب الثورة لم تتحقق بعد، فالفساد ما زال قائما والبطالة ما زالت على حالها، إلا أن الديمقراطية قد وجدت طريقها الى تونس المجتمع، في حين يتطلب الأمر خطوات اخرى من نداء تونس كونه يدير دفة الحكم الآن في البلاد.