19 سبتمبر 2025

تسجيل

عمرو خالد.. هو الصحابي عبد الله بن عمر ؟

27 ديسمبر 2012

لا شك أن الأستاذ "عمرو خالد" الداعية المعروف قد حقق شعبية جارفة قبل سنوات من خلال برنامجه الدعوي الذي ارتكز على القصص النبوي والتحليل الفكري والتربوي لأحداث السيرة.. ولعل لرحيله عن مصر مدة ثماني سنوات قضاها في انجلترا وقيل إن أسبابها أمنية وسياسية قد رفع من رصيده الشعبي لأن من يعادي نظاما متصهينا أو يعاديه نظام متصهين كنظام حسني لا بد أن يكون على قدر من الخير والموثوقية والمبدئية". لكن عودة الرجل إلى مصر بصورة مفاجئة في 2010 وبدؤه هذه العودة بإقامة ندوة في جمعية أهلية بالإسكندرية يرأسها اللواء "محمد عبدالسلام محجوب" مرشح الحزب الوطني الحاكم لانتخابات مجلس الشعب آنذاك ضد مرشح الإخوان القيادي صبحي صالح قد استنزف الكثير من هذا الرصيد الشعبي، وألقى على عودته وأسبابها وأبعادها الكثير من التشكيك حتى إن الدكتور سليم العوا قال معقبا عليها: "أحد الدعاة استخدمه الحزب الحاكم في الدعاية له ولمرشحيه رغم ما يروجه هذا الداعية بأنه من المغضوب عليهم من الحكومة". وأقول: صحيح أن من الدعاة من سقط بانحيازه ضد الثورة – وهم ولله الحمد قلة ولكن أكثرهم سرعان ما استوعبوا القضية واهتدوا إلى الصواب فيها فحاولوا ونجحوا إلى حد ما في استرجاع ما فقدوا من الاحترام.. فمنهم من تغيرت لهجته ومنهم من اعترف بخطئه.. لكن الأستاذ "خالد" وبدلا من أن يستثمر عدم تنبه الناس لعلاقاته ببعض رموز الحزب المنحل ويزيد من الابتعاد عنهم؛ إذ به يتقرب منهم أكثر فأكثر، وإذ به يحاول تسويقهم على أتباعه ومريديه من خلال " منتدى أهل مصر " ذلك التجمع الاقتصادي الذي شكله كبيت للخبرة الإدارية والتنموية وضم إليه العديد من رجال الأعمال والوزراء السابقين ورموز الحزب المنحل.. وإذا به أيضا وفي سياق الانتخابات الرئاسية يصرح لـ"سي بي سي" أن التنافس بين الدكتور "مرسي" وجنرال الفلول "الهارب" إنما هو أشبه بالفتنة بين علي ومعاوية! وبأنه – أي عمرو خالد - اختار أن يجسد موقف عبدالله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – من تلك الفتنة – باعتزالها وعدم التحيز أو الخوض فيها.. ثم عندما وقعت معركة الدستور الفاصلة والتي استقطبت وفرزت الأفكار والأحزاب والاتجاهات وأنطقت من به بكم وأسمعت من به صمم إذ به ينحاز لمجموعة الرافضين الدستور مع البرادعي وعمرو موسى والعلمانيين والقوميين والصليبيين في مواجهة الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية وجمهرة الشعب المصري الذين اختاروا الـ" نعم".. وأقول أيضا: بالتأكيد لا يمكن اختزال عمرو خالد ومواقفه والحكم عليه في أربعة أو خمسة مواقف سيئة تورط فيها، وبالتأكيد ليس ممنوعا على عمرو خالد أو سواه من الناس أن يعملوا بالسياسة وأن يقبلوا أو يرفضوا الدستور، وبالتأكيد ليس موقف الإخوان والسلفيين من الدستور وتداعيات الاختلاف عليه هي المحدد الأوحد لقياس الصواب والخطأ في هذه القضية.. لكن؛ وبنفس القدر من الإصرار والضرورة لا يمكن تجاهل أن الخلافات بين من اختار أن يقف معهم الأستاذ عمرو خالد ومن اختار أن يعاديهم ليس الفارق بينها بسيطا أو صغيرا أو عائما يمكن أن تضل فيه الأفهام أو تزيغ عنه العقول.. وبالتأكيد والضرورة أيضا أن مواقفه هذه ومهما بدت صغيرة أو قليلة إلا أنها تأتي في بداية عمله السياسي وفي لحظة فرز وتمايز كبيرين لذا فهي تعبر عن نقطة ارتكاز وجهة انطلاق، وهي تتأسس على مفهوم الولاء والبراء العقدي الذي عليه يقوم جوهر فهم وتطبيق الإسلام، أوثق عرى الإيمان.. بالتالي فإشكالات الرجل تطاول الأصول ولا تكتفي بالفروع وهي في المبادئ والأساسات لا على الأطراف والمكملات. وأقول: إذا كان الأستاذ عمرو خالد لا يزال محتارا بين مرسي وخصومه، وإذا كان لا يزال يرى الجنرال "الفاسد الهارب الذي تطارده أكثر من 35 تهمة جرائمية" أحد اثنين من الصحابة الكرام "علي أو معاوية" وإذا كان لا يزال مصرا على أنه هو عبدالله بن عمر لهذا الزمان وفي هذه "الفتنة".. فإن لنا أن نسأله: هل كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ليقبل التماهي مع من يعتبرون نصرة مرسي لغزة وأطفالها ومستشفياتها ومدارسها في وجه العدو الصهيوني تهمة يجب أن يتخلص منها وعارا يجب أن يدفعه عن نفسه؟ وهل كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ليقبل أن يكون في سواد الكاذبين والفاسدين والمجرمين ومن يرفضون الشريعة ويعتبرونها تخلفا ورجعية؟ وهل كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ليكون في حلف من يرفضون الدستور بسبب أن من يكتبونه لا يؤمنون بالهلوكوست اليهودي المزعوم؟ وهل كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ليحتار في التفضيل بين "مرسي" الإسلامي الذي يحفظ القرآن الكريم ويصلي الخمس ويؤدي العشر أو نصف العشر ويقوم الليل ويصوم الاثنين والخميس، وفلول الفاسدين والمجرمين والذين تحالفوا معهم ووصل تحالفهم إلى إراقة الدماء وقتل الأبرياء ومحاولة تهديم كل إنجازات الثورة؟ الحقيقة أن على عمرو خالد وكل من نال شعبية لدى الجمهرة الطيبة من الناس أن يعلموا أنهم إنما نالوا ذلك بكونهم في نظر الناس العلماء الفضلاء والدعاة الكرماء والقدوات الكاملة، وبما يرونه فيهم من علو فهم وعمق فقه وكثرة خبرة ونصاعة نزاهة وشدة استقامة.. وأنهم إن نطقوا فبنص مثبت.. وإن اختاروا فباجتهاد محكم.. لذا كانت سقطة العالم سقطة أمة، وكان خطؤه على حد عال من الخطورة والفداحة. والحقيقة أيضا أن على الناس فهم أن العلماء والدعاة مهما بلغوا من الفهم وتحصنوا بالفقه، وأيا كان ما وطنوا أنفسهم عليه من العصامية والمعصومية وكل الشفافية والطهارة؛ فإنما هم بشر ككل البشر، فإن كانوا يصيبون عادة فلا يمنع ذلك أن يخطئوا، أو كانوا مستقيمين دائما؛ فلا يمنع أن ينحرفوا، وإن كانوا عالمين عارفين فلا يمنع أنهم قد يجهلون.. ولست أقول ذلك لتسويغ خطيئة ولا لتسويق خطأ.. ولكنها الحقيقة التي لا بد أن تذكر كلما رأينا سقطة أخلاقية لأحدهم أو شائهة آرائية أو ضلالة مواقفية من بعضهم.. آخر القول: لست متفاجئا بالأستاذ عمرو خالد وبالتأكيد لن أكون متفاجئا بسواه من الدعاة أو العلماء مهما بلغت بهم المنازل أو هملجت بهم البراذين، والظن أن مشكلة هؤلاء في الأعم الأغلب هي من جهة العلم والفهم واستيعاب خير الخيرين وشر الشرين لا من جهة الإخلاص والنية والرغبة في النجاح.. وليس كل من يحسن القول يحسن العمل، ولا كل من ينبغ في فن يجيد غيره، ويبقى أن خط الإسلام ومنهاج النبوة هو ما يجب أن يظل العدة والعتاد (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).. نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الخطل والزلل وأن يعيذنا من الحَوَر بعد الكَوَر.. آمين.