26 سبتمبر 2025

تسجيل

كأس العالم وفوائد استضافته للدولة المضيفة

27 نوفمبر 2022

هناك نقاشات تدور حول ما إذا كانت الدولة التي تستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم تستفيد اقتصاديًا من استضافتها للبطولة، حيث تساعد هذه الاستضافة على تنسيق عمليات الاستعداد والتخطيط لتنظيم البطولة مع خطط التجديد الاقتصادي على نطاقٍ أوسع. لا شك في أن قطر تلقت دفعة كبيرة عززت من مكانتها الدولية عندما نالت شرف استضافة منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. ولكن هل تساعد استضافة هذه البطولة في تعزيز اقتصادات الدول المستضيفة؟ هناك أبحاث ومناقشات دارت حول هذه المسألة لعقود طويلة، ومن الصعب تقييم الأثر الاقتصادي لاستضافة هذه البطولة. وهناك تحديات تصعب من إمكانيات تقييم الأثر الاقتصادي لاستضافة بطولة ما على المدى الطويل لأن حجم البطولة قد توسَّع بشكلٍ ملحوظ. وبحلول الوقت الذي قد تتوفر فيه البيانات المتعلقة بهذا الأثر، سيكون من الصعب مقارنة تلك النسخة من البطولة بنسخة أخرى. وكانت إحدى الدراسات التي تناولت تأثير استضافة ألمانيا الغربية للبطولة في عام 1974 قد أشارت إلى أن البطولة لم تعد بالفائدة على مستويات التوظيف في البلاد على مدار 30 عامًا، ولكن تلك البطولة كانت أصغر بكثير من حيث الحجم منذ ما يقرب من 50 عامًا. ورغم نمو الإيرادات المحتملة من استضافة البطولة، زادت التكاليف بالمثل. ويشترط الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وهو الهيئة الحاكمة لتنظيم البطولة، أن يكون لدى الدولة المضيفة ثمانية ملاعب على الأقل بسعة لا تقل عن 40.000 متفرج، وحوالي 80.000 للمباراة النهائية. ويجب أن تكون معايير السلامة والأثر البيئي والنقل والأمن فائقة. وقد تناولت الدراسات الاقتصادية كلاً من الإيرادات والاستثمارات الرأسمالية. فمن ناحية الإيرادات، يُعوِض الانتعاش المؤكد للفنادق والمطاعم في المدن المضيفة ما يعرف بآثار الاستبدال والزحام، وقد تُحوَّل بعض النفقات من مخصَّصات أخرى في اقتصاد البلاد، وقد يرحل الأشخاص والجماهير غير المحبين لكرة القدم عن الدولة المستضيفة للبطولة. ويذهب قدر كبير من عائدات بيع التذاكر والرعاية وحقوق البث التلفزيوني إلى الفيفا، وليس للدولة المضيفة. وفيما يتعلق بالجانب الاستثماري، قد تعني المعايير العالية المنتظرة في الملاعب الحديثة استثمار الدولة المضيفة بشكلٍ كبيرٍ في بناء هذه الملاعب. ويعني ذلك أن الدول المتقدمة تميل إلى الشعور بحدوث تأثير اقتصادي أكثر إيجابية، أو على الأقل حدوث خسائر أقل، لأنه من المرجح أن يكون لتلك الملاعب استخدام في المستقبل على المدى الطويل باعتبارها ملاعب رسمية لفرق الدرجة الأولى قادرة على استقطاب عدد يتراوح ما بين 30 إلى 40 ألف مشجع أو أكثر كل أسبوعين من الموسم عندما يستضيف ذلك الفريق إحدى المباريات على أرضه وبين جماهيره. وقد أشارت دراسة قارنت بين التأثير الاقتصادي لكأس العالم على ألمانيا، التي استضافت البطولة في عام 2006، وعلى البرازيل، التي استضافتها في عام 2014، إلى تكبد البرازيل لخسائر اقتصادية مرتفعة، مع التوصل إلى تحقق فوائد محتملة غير ملموسة لكلتا الدولتين. ولكن في تاريخ كل من دورات الألعاب الأولمبية وبطولات كأس العالم لكرة القدم، دأبت الدول على التعلم من استضافتها لتلك المنافسات الكبرى. ومن غير الواقعي توقع تحقيق عائد إيجابي، أو حتى إبقاء الخسائر عند الحد الأدنى، في حال مقارنة الميزانية العمومية لإجمالي تكلفة الاستثمار في الاستعداد لاستضافة مثل هذه البطولات الكبرى مع الإيرادات والمكاسب الاقتصادية التي تتحقق خلال فترة استضافة البطولة التي تستمر لمدة أربعة أو خمسة أسابيع. وبناءً على ذلك، من المنطقي الجمع بين الاستعداد لاستضافة منافسات مثل هذه الفعاليات الكبرى ومشاريع التنمية الاقتصادية على نطاقٍ أوسع. ومن ثم تصبح الإستراتيجية هي: دعونا نحدّث بنيتنا التحتية الرياضية وخدمات النقل والمواصلات والبنية التحتية الأخرى، جنبًا إلى جنب مع الاستثمارات الأخرى بهدف استقطاب مراكز الأعمال وتعزيزها. وفي أثناء القيام بذلك، دعونا نتقدم بطلب لاستضافة بطولة كأس العالم أو أي فعالية رياضية عالمية أخرى. وكان هذا هو النهج المتبع في قطر. وفي ضوء ذلك، فإن الإشارة إلى أن قطر استثمرت 200 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية خلال السنوات العشر الماضية، وهو ما يجعل النسخة الحالية من البطولة أغلى بطولة كأس عالم لكرة القدم حتى الآن يُعدُ ضربًا من التضليل والمغالطة؛ لأن الحياة الاقتصادية للغالبية العظمى من المرافق التي شُيِّدت ستكون أطول بكثير من فترة استضافة البلاد للبطولة، وستغطي العديد من القطاعات الأخرى ولن تقتصر على القطاع الرياضي فحسب. بالإضافة إلى ذلك، توصلت الأبحاث إلى أن عامل ’الشعور بالسعادة‘ غير الملموس المرتبط باستضافة تلك المنافسات، وارتفاع مشاعر الفخر بالوطن والانتماء له، وتحسين صورة البلاد على الصعيد العالمي يمكن أن يكون جوهريًا وأن يؤدي بشكل غير مباشر إلى تحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية، حيث أن هناك مكاسب من استضافة بطولة كأس العالم تتجاوز نطاق كرة القدم. وفي مقالي القادم، سأقدم تفصيلاً للنفقات الرأسمالية التي بلغت قيمتها 200 مليار دولار، وسأناقش الفوائد التي ستعود من هذه الاستثمارات على دولة قطر.