17 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قد يتبادر إلى ذهن قارئي الكريم أنني أعني بالأرانب الملايين، كما هو في عرف الكثيرين الذين يستخدمون الأرانب مجازا، ولكني أستخدم لفظ الأرانب على الحقيقة، وأعني به لونا جديدا من ألوان الخير، وهو وقف الأرانب على الأسر الفقيرة بغية إعانتها، وبذلا لمساعدتها، هذا ما حدثني به صديقي العائد من سفرة دعوية بصحبة إحدى المؤسسات الخيرية بقطر، والتي كانت وجهتها إلى جمهورية مالاوي الواقعة في جنوب شرق إفريقيا، والتي يمثل فيها المسلمون نحو 30% من تعداد سكانها البالغ 14 مليون نسمة. ومشروع وقف الأرانب يعني أن تأخذ كل أسرة عددا من الأرانب الإناث ومعها ذكر، من أجل التكاثر والتوالد، ويعتني بتربيتها أهل البيت بهدف زيادة أعدادها، ومن بيع نتاجها يستفيدون بثمنها، ومن لحم بعضها يسدون جوعتهم في بعض الأيام، حيث لا يأكلون اللحم إلا قليلا، وكما أخبرني صديقي أن أغلب طعام أهل البلاد هو ما يسمى بالـ (سيما)، وهو طعام مكون من الدقيق والماء، يوضع في قدر على النار حتى ينضج، ويكون على هيئة لباب الخبز، وقد يضيفون إليه بعض المحسنات مثل شرائح البصل وبعض العشب الجبلي. وما يسهل على أهل الخير من عموم المسلمين المشاركة في هذا المشروع هو يسر تكلفته، حيث يستطيع الكثيرون ممن لا يستطيعون أن يساهموا في المشاريع الخيرية الكبيرة أن يكون لهم سهم فيه، وإذا علم القارئ الكريم أن مائة ريال قطري تجعله أحد الواقفين في هذا المشروع؛ فإن الأمر يبدو أكثر يسرا، ويغري الكثيرين بالاشتراك فيه، حتى إن الأسرة المسلمة تستطيع أن تشجع أبناءها بالاستثمار في هذا المجال الخيري من مصروفهم، تعويدا لهم على فعل الخير، وغرسا لقيم التكافل والتضامن والرحمة في نفوسهم منذ الصغر.لقد كان نظام الوقف من مفاخر الإسلام وحضارته، وهو نظام إسلامي خالص لم تكن تعرفه العرب من قبل، والوقف يعني تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وتوقف المنافع حسب شرط الواقف، حتى إن الفقهاء قعدوا قاعدة فقهية تقول: وقف الواقف كنص الشارع، وإن كان في هذا اللفظ شيء من المبالغة إلا أن الفقهاء راموا بذلك إلى توفير حماية للوقف لضمان بقائه واستمراره، فلا يجوز تغييره أو انتهاكه، ما لم يكن في استمرار العمل بشرط الواقف مضرة تنافي أصل مقصود الوقف وهو المنفعة.وكان من أوائل الواقفين في الإسلام الفاروق عمر بن الخطاب كما روى البخاري أن عمر أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره – يستشيره - فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس – أجود - عندي منه، فما تأمر به؟ قال: «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها» قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول.وتعددت جوانب الوقف في الإسلام واتسعت دائرته لتشمل أغراضا دينية واجتماعية وصحية وعلمية مثل: الوقف على المساجد والمشافي وصيانتها ووظائفها، والفقراء، وحفر الآبار، ودور الرعايا الاجتماعية، وتزويج المحتاجين، وافتداء الأسرى، والمدارس والمكتبات العامة، وطلبة العلم،...إلخ.وحكى ابن خلدون على ما كان في بغداد، والكوفة والبصرة، والقاهرة، وقرطبة، والقيروان، وفاس من مراكز علمية خاصة زمن صلاح الدين الأيوبي الذي أوقف أراضي زراعية وبيوتا على المدارس.وبالجملة، فقد كان للوقف الإسلامي فضل كبير وتأثير بالغ في بناء الحضارة الإسلامية وإرساء قواعدها على مبادئ التكافل والتضامن والتعاون والتآخي.