18 سبتمبر 2025
تسجيليبدو أن الثقة هي أزمتنا الراهنة في الوطن العربي بعد أن تغلغل النكوص والإعياء في دواخل معظم العامة بعد أن شح الخبز أحيانا وصودرت الحريات وأخرست الألسن , ومكمن الخوف أن تتعمق هذه المتلازمة التاريخية المتكررة ليغدو وهن الثقة سمة تسربل مجمل العلاقات فيما بيننا وحتى بين أنفسنا ذاتها فتسقط القدوة ويظل الجدل الواسع هو حراكنا الدائم في كل الأمور بما فيها تلك المصيرية التي تحدد مستقبل مجتمعاتنا وأنظمة الحكم في دولنا في عصر تعصفنا فيه المؤامرات والفتن , وصور الأزمة متنوعة ومتلاحقة تبرز في مشاهد الأحداث الدائرة في أكثر من موقع هبت عليه نسائم الربيع العربي الغريب فحركت دواعي البحث عن مكتسب قد لا تستوعبه مسلمات الواقع وظروف المكان وثقافته وخرجت جموع المحتجين مدفوعة بالأمل فقط و دون استيعاب متقن لمعطيات المستقبل وما يأتي به التغيير من معطيات غير متناسقة تماما مع الواقع ومتطلباته , فالحلم الواسع جرد الأنفس من الثقة المتبادلة وغدت استحقاقات الربيع فضفاضة في بعض حالاتها على جسد الواقع ومسلماته , وفي ميدان التحرير بمصر صورة لتلك الحالة التي لا نفهم فيها من هو مع أو ضد الربيع الأول وفي البحرين جدل واسع حول مضمون تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة وفي اليمن صنفت المبادرة الخليجية بعد أشهر طويلة من الترتيب الدبلوماسي الدولي لها بأنها مجرد صفقة لا غير مابين جناحين رابح وخاسر , وفي سوريا يظل الموقف حرجاً بتزايد سقوط المحتجين ما بين قتلى وجرحى , فالكل هنا وهناك من شعوب ومؤسسات يبحث عن تحقيق الذات مبرزاً مسوغات الثقة في مشروعه , فمن يكسب أو يخسر في ظل ضبابية المفاهيم وغياب الثقة , هذا هو السؤال الكبير والذي تبرز جدلية أطرافه جلية في ميدان التحرير المصري تحديداً باعتبار الحالة عامة تصور مضمون الحراك الشعبي في كل مكان بحثاً عن الحرية والتجديد حيث تظل القيم واحدة والأهداف متوافقة وإن اختلفت ظروف المواقع والشخوص , فالأخوة في مصر يستشعرون اختطافاً مبرمجاً لثورتهم بعد أشهر من الاحتجاج وسقوط مئات الضحايا فلم تحمل قرارات ما بعد الثورة إلى نفوسهم تحقيقاً ولو لجزء من ذلك الطموح الذي أزاح نظاماً تاريخياً عن سدة الحكم في بلادهم , فلا سبيل إذاً سوى المبيت في عري التحرير والمناداة بأعلى الأصوات استمراراً للاحتجاج فربما تحقق للوطن الكبير جزء من طموح شعبه للثقة فيمن هو أجدر بمهمة الولاية الكبرى في البلاد " رغم أن الأيام لن تنجب ملاكاً للحكم " . وفي اليمن استمرت الاحتجاجات الشعبية في صنعاء وما حولها تقديراً بأن المعارضة قد باعت جزء من مطالبهم رغم أن المبادرة الخليجية صيغة ومضموناً تستهدف مصلحة أوسع لمستقبل اليمن فيما لو توافقت الأطراف على الثقة على هذا المشروع الذي ظل متعسراً هو الأخر في جملة مراحله بسبب الثقة فيما بين الأطراف المتنازعة على السلطة هناك , آما في البحرين فرغم أن الدولة جادة من خلال ما تتبناه من أطروحات لتجنيب البلاد المزيد من التوتر وفقاً لما أبداه جلالة ملك البحرين تجاه تقرير لجنة التحقيق إلا أن الثقة هي الأخرى تظل هناك محل توجس من الطرف المعارض رغم أن الفرصة مواتية له لجني المزيد من المكاسب المرحلية بمجرد بناء جسور من الثقة والتعاون , وفي سوريا تعتم الصورة حول ثقة الأطراف ليظل المخرج محفوفاً بمخاطر جمة قد تطال كل المنطقة , إذاً أزمتنا العربية الكبرى هي الثقة والتي قد تنجب مزيداً من بؤر التوتر الجديدة طالما ظل معاش المواطن العربي وعلاقته بمؤسساته الحاكمة محفوفاً بغياب الثقة المبنية على أسس الديمقراطية السليمة وتكريس هدر الحقوق . [email protected]