12 سبتمبر 2025
تسجيلاستسمح القارئ الكريم في استخدام عنوان آخر مقال للمرحوم جمال خاشقجي في جريدة الواشنطن بوست الأمريكية كعنوان لهذا المقال. في مقاله يؤكد المرحوم على فقدان العالم العربي لحرية التعبير؛ ما يعيق بطبيعة الحال كل ما من شأنه أن يساهم في النقاش والحوار وإفراز سوق حرة للأفكار والابتكار والابداع والإنتاج العلمي والتميز. غياب حرية التعبير يعني من دون أدنى شك انتشار ثقافة النفاق والتعتيم والتضليل والسكوت على الحق وانتشار الباطل والفساد وتمجيده. فالشعب العربي مع الأسف الشديد يعيش مغيبا وفي حالة سيئة من الاغتراب والتهميش المنظم. يعيش في سجن كبير من الأكاذيب والوعود الفارغة والأحلام التي لا تتحقق. فغياب هذه الحرية هي التي أدت بالمرحوم إلى الغدر والتنكيل بجسده وقتله بطريقة وحشية تشمئز منها النفوس. ما نوع هذا النظام الذي لا يقبل آراء وأفكار مواطن يغار على بلده، هو ليس معارضا ولم يشتم ولم ينل من قيمة بلده. عيبه الوحيد أنه كان صريحا وواضحا وشجاعا ناقش أمورا وقضايا تهم الأمة والمجتمع بكل منطق وعقل وتبصر. عبّر عن رأيه، لم يرتكب جريمة ولم يقذف ولم يسب ولم يشم أيا كان. وكان من المفروض أن أفكار خاشقجي التي كان يطرحها للرأي العام يتم الاستفادة منها لمناقشة قضايا الامة بكل صراحة وشفافية بدلا من إقصائها من الفضاء العام والتخلص من صاحبها وتصفيته. تأتي أهمية حرية التعبير من أن التعبير عن الرأي والفكر هو حق أساسي للمشاركة الديمقراطية، والمساءلة، والتنمية المستدامة، والتنمية البشرية، وممارسة جميع الحقوق الأخرى. فالتعبير يثير الجدل وردود الفعل والنقاش، ويحفز تنمية الرأي والتفكير التحليلي والتفكير النقدي، وليس العقاب والخوف والصمت. كما أنه لا يجوز أن يقيَّد التعبير قانوناً إلا إذا أثبت المشرع أو القاضي قانونية هذا الإجراء وضرورته والحاجة إليه لحماية مصلحة الوطن، ولحماية المصلحة العامة. فمعظم المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي، سواء كانت عامة، حكومية أو خاصة نجدها تعمل في مناخ يسوده التعتيم والتكتم والرقابة والرقابة الذاتية. فالصحافيون ليسوا فقط الطرف الرئيس المستخدم لحق حرية التعبير، وإنما هم الرمز أو المعيار لمدى تسامح المجتمع مع حرية التعبير. ولكن، هل يعمل الصحافيون في بيئة قانونية تسمح لهم باستقصاء المعلومات وكتابة التقارير بصورة مستقلة وتغطية القضايا الحساسة في المجتمع؟ وهل يُستهدف الصحافيون بسبب ممارستهم لمهنتهم؟ وماهي آليات الحماية المتوفرة لهم؟ وما مدى فعالية التحريات والتحقيقات بشأن الهجمات والانتهاكات التي يتعرضون لها؟ يقول خاشقجي في مقاله الأخير أن الشارع العربي تفاءل خيرا بالربيع العربي وظن أن عهد صحافة البلاط قد ولى، وأن الأمور ستتطور نحو الأحسن، خاصة ما يتعلق بحرية التعبير وحرية الصحافة. مع الأسف الشديد تبخرت الأحلام وعادت الأمور إلى سابق عهدها، بل في بعض الأحيان إلى الأسوأ، حيث برزت في الأفق دول وقوى شُغلها الشاغل هو محاربة الثورة والتغيير والوقوف أمام أي نجاح يكون في صالح الشعوب المغلوبة على أمرها. نعم دول عربية خصصت المليارات من الدولارات لمحاربة الثورات الشعبية ولمحاربة دول والإطاحة بحكامها؛ حتى لا تنجح كلمة وإرادة الشعوب. دول عربية تحالفت مع الكيان الصهيوني من أجل تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد. بطبيعة الحال ما يقوم به بعض الحكام العرب يبقى وصمة عار يسجله التاريخ للأجيال القادمة وللتاريخ. ففي ظل غياب الكلمة الحرة وغياب حرية التعبير تتعايش الشعوب العربية مع الباطل والظلم والإهانة والخذول والانبطاح. ما هو الحل وما هي الطرق للخروج من هذا الوضع المخزي؟ منظمات عالمية وإقليمية من بينها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومركز الخليج لحقوق الإنسان أو صت بما يلي: ضمان الحق في حرية التعبير وحرية الرأي، من خلال اتخاذ جميع التدابير الممكنة، بما في ذلك حماية الصحافيين والإعلاميين والنشطاء على الإنترنت من أي انتقام أو المضايقة القضائية؛ التأكد من أن التشريعات، بما في ذلك تشريعات مكافحة الجرائم الإلكترونية وتشريعات مكافحة الإرهاب، ﻻ يتم استخدامها كأداة لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان بسبب عملهم السلمي في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك تعديل هذه التشريعات عند الضرورة؛ ضمان احترام وحماية الحق في حرية التجمع السلمي بحيث يسمح للناس بالاحتجاج سلمياً دون خوف من العنف الجسدي أو التهديد أو أي شكلٍ من أشكال الانتقام؛ ضمان احترام وحماية الحق في حرية تكوين الجمعيات السلمية بحيث يمكن للمنظمات غير الحكومية المستقلة لحقوق الإنسان أن تعمل بشكل آمن وخالٍ من التضييق القضائي والاعتقال والاعتداء؛ ضمان تعزيز وحماية المجتمع المدني وترسيخ دوره في المجتمع كوسيلة لتعزيز حقوق الإنسان؛ تعديل أي قوانين وطنية لضمان تأمين وضع الإقامة لجميع المقيمين ومنع استخدام أو التهديد باستخدام قوانين الجنسية كوسيلة لخنق المجتمع المدني؛ ضمان أن جميع المحتجزين يعاملون بكرامة، وحماية سلامتهم الجسدية والنفسية، وأن الأوضاع في جميع مرافق الاحتجاز تتماشى مع المعايير الدولية؛ ضمان أن جميع المحتجزين يتم حمايتهم من أي شكلٍ من أشكال سوء المعاملة والتعذيب على النحو المبين في القانون الدولي؛ ضمان أنه في حالة وجود أدلة على التعذيب أو سوء المعاملة من جانب سلطات الدولة، يتم إجراء تحقيق سريع ومستقل بهدف تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، بما يتماشى مع المعايير الدولية؛ ضمان أن الوصول إلى العدالة مكفول للجميع، وأن أي إجراءات قانونية اتخذت تلتزم بالحق في المحاكمة العادلة والمعايير الدولية للإجراءات القانونية العادلة؛ توفير قنوات وآليات مناسبة لإعداد التقارير والتحقيق في أي شكل من أشكال المضايقة والترهيب أو استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، من قبل سلطات الدولة والهيئات الأخرى، ونتيجة للعمل السلمي والمشروع في مجال حقوق الإنسان؛ ضمان أن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان، وجميع المواطنين، أحرار في الاستفادة من والتواصل مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمجتمع الدولي لحقوق الإنسان؛ التعامل مع آليات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة كلما عاد ذلك بالنفع على تعزيز وحماية حقوق الإنسان؛ ضمان أن المدافعين عن حقوق الإنسان قادرون على القيام بعملهم المشروع والسلمي في مجال حقوق الإنسان دون خوف من الانتقام وخالية من جميع القيود. الإعلام في العالم العربي لايزال يواجه الكثير من التحديات والمشكلات المعقدة نتيجة هيمنة وتسلط الاجهزة الحكومية عليه، حيث عملت السلطات الحاكمة على تقييد وتطويق حرية الرأي وفرض رقابة صارمة على المحطات الفضائية او الصحف او وسائل التواصل الاجتماعي، وقد اكدت عدة تقارير دولية أن حرية الصحافة بسبب الازمات والصراعات الخطيرة التي يعيشها العالم العربي شهدت تراجعاً خطيرا، حيث تعرض العديد من الصحفيين والإعلاميين للكثير من المضايقات والتهديدات والاعتقالات، سواء من قبل الحكومات التي سعت إلى اعتماد قوانين وقرارات خاصة تتيح لها ممارسة دور رقابي كبير يمكنها من تحديد حرية الرأي وملاحقة واعتقال من تشاء من المعارضين لسياستها.