12 سبتمبر 2025
تسجيلبعد نشري لقصيدة ملقاة سماعا في صفحتي حول التشنيع على من يتزوج الثانية لمجرد التشهي أو الاستجابة لمنطق المتحمسين له .. سألني إخوة عن حكم التعدد وما إن كان يليق بمثلي - تخصص شريعة - أن أروج هذا ؟ فقلت: مقصود الزواج هو السكن والمودة وإمتاع النفس بالحلال ثم الإنجاب والذرية والتعارف بين الناس .. وهذا المقصود يتحقق بواحدة بل هو مع الواحدة أكثر تحققا .. إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن التعدد في الأغلب الأعم - وبالتجربة والمشاهدة - أقل انسجاما في البيت ومقصود تأسيسه.وأما التعدد فقد جاء في سياقين لا يشجعان عليه بل يخفضان قيمته واتجاهه من حيث تشريعه، السياق الأول تخفيض عدد الزيجات المعتادة في الجاهلية فقد كانوا يتزوجون العشرة والخمسين ويعدون ذلك شرفا ومكانة .. فهو إذن تشريع للتقليل وهذا اتجاهه .. أما السياق الثاني فهو مضمون ما روت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها من أنه تشريع لحل مشكلة وليس ابتداء .. وبالرجوع لنص الآية فهي (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ومثل ذلك أن تقول لشخص يتبرم من تاجر وينوي الإساءة له اذهب واشتر من سواه واحد واثنين وثلاثة.أما المشكلة التي أثارت التشريع .. فهي أن بعض الناس يكون وصيا على اليتيمة ( كأن تكون ابنة أخيه ) فيطمع في مالها ( لغناها ) فيعمد لتزويجها من ابنه ولا يمهرها حقها فهو المستفيد من غناها والخاسر من مهرها .. وهنا خشية أن يظلمها فأمره الشرع بسواها مثنى وثلاث .. فيأتي التعدد وفق هذا الفهم على سبيل إقامة الحجة وتكثير سبل الإفلات من إغواء الشيطان .يصح أن يتزوج الرجل بأكثر من واحدة فهذا حلال لا غبار عليه ولكن العدل شرطه، وكذا القدرة المالية والنفسية .. فلا يليق بمن حظه من الإدارة أن يؤتمن على نعجتين أن يسمح له بزيجات متعددات فيقع المحذور ويتورط في المحظور.ولابد من مراعاة جملة آداب يليق بالمسلم الذي صنعه الله تعالى واصطفاه ليجسد عدالة الإسلام ورحمته وأن يكون حكما عدلا في إعمار الدنيا والخلافة فيها .. منها :- أن لا يعدد الزواج لمجرد التشهي والتنويع فما من امرأة إلا وثمة من هي أجمل منها فهو إذن بحر لا شطآن له وما من مكسب فيه إلا وله ضد أكبر وأكثر منه .- وإذا بلغت الزوجة من العمر العتي وصارت لها ( الكناين ) فإن ذلك هو الوقت الذي يجب أدبا ووفاء أن تحترم فيه وأن تعوَّض عما بذلته كل عمرها من خدمة وولادة ووفاء فلا يليق أن يكافئها عن كل ذلك بضرة تكايدها وتستخفها .- ولابد أن يكرم الرجل بنيه إذا كبروا وكبرت أمهم فهم لا يقبلون - بمضاررتها - ومن يفعل فإنما يغامر بود ولده وولائهم وقد رأينا هذا في واقع حياة الناس .آخر القول : ليس من سبيل إلى التشكيك في أصل حلية التعدد، ولكن لا يجوز رفعه بدون معول عليه إلى اعتباره أصلا فقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأكثر فهما وتمثلا لشرع الله تعالى على خديجة وحدها دون تعدد حتى ماتت.