18 سبتمبر 2025

تسجيل

رسولنا بركتنا

27 أكتوبر 2015

لمن لم يتابع بالأمس موضوع التخطيط الاستراتيجي عند أكرم خلق الله محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة والسلام، قلنا أنه لم يكن يعمل بالبركة، كما هو شائع عند العامة، بل كان في كل تحركاته من تلك التي لا وحي بخصوصها، يسير وفق تخطيط محكم بقدر ما تفرزه اجتهاداته البشرية.تجدنا اليوم نوصف مشهد من لا يعمل وفق خطة أو سيناريو أو رؤية واضحة، لكنه ينجح في عمل ما، بأنه قد نجح بالبركة أو بدعاء الوالدين أو الصالحين.. في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن كذلك أبداً وهو المدعوم من السماء في كل حين، بل كان يجتهد في أموره، يخطط ويشاور أصحابه ويأخذ بالأفضل ولو لم يكن الأفضل هو رأيه صلى الله عليه وسلم.في بدر مثلاً، نزل بالجيش في موقع ما رآه المكان المناسب ليعسكر فيه وينتظر قريشاً، لكن الصحابي الجليل الحباب بن المنذر قام ليستفسر من قائد الجيش عن سر هذا المكان الذي تم اختياره، فقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول الله، فإنّ هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله ونغور ما وراءه من القُلب ـ جمع قليب وهو البئر ـ ثم نبني عليه حوضاً فنملأه، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فاستحسن الرسول الكريم رأي الحباب وتم تغيير الموقع.الرسول عليه الصلاة والسلام ما أراد بالتخطيط المستمر لتحركاته طوال حياته، سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو غيرهما، إلا ليعلمنا أهمية هذا العمل، القصير منه والبعيد، أو ما نطلق على الأخير بالتخطيط الاستراتيجي، فإن الدول ما تقوم على أعمال اللحظة أو البركة، فإن أصاب أو حالف أحدنا التوفيق والنجاح في عمل ما فجأة هكذا، أو بضربة حظ، أو كما تقول العامة: رب رمية من غير رام، فهذا لا يعني أن الأمر صواب وقد يتكرر أو يمكن اتخاذه قاعدة تصلح أن تكون ضمن مناهج الحياة، لماذا؟ لأن الأصل في إنجاح الأعمال هو التخطيط المحكم، القريب منه والبعيد، الذي يراعي الظروف المحيطة ووقائع الحال أو ظروف الزمان والمكان، وهو ما كان عليه الرسول الكريم وصحابته الكرام من بعده إلى حين من الدهر لم يدم طويلا.. وهو ما يدعونا دوماً إلى التعمق والتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم، الأشبه بمعين لا ينضب أبداً.