31 أكتوبر 2025
تسجيلمن المعروف أن الإسلام كنظام رباني يدعو بقوة إلى سلام الضمير عند كل إنسان، إذ هو إن لم ينتفع ويتمتع بسلام الضمير فإنه لا يستطيع أن يعيش في هذا العالم سعيدا ولا يكون هو قد شارك غيره في بناء السلام العالمي للبشر جميعاً. إنه قد يحظى الفرد بشيء من السلام ولكنه ذاك السلام السلبي لا الإيجابي الذي يعترف بالإنسانية وحاجتها وبقيم الناس وأخلاقهم ومن هنا ركز الإسلام على سلام الضمير للوصول إلى السلام الأسري والمحلي والعالمي، متخذا من هذه النقطة ارتكازا له كي ينطلق بركائز عتيدة تقضي على كل ما يؤدي إلى إشاعة الفوضى والحرب والإرهاب والتطرف، مبينا أنه يسالم من سالمه ولكنه يعادي من حاربه استثناء من ضرورة السلام. ويمكننا أن نركز على نقطتين مهمتين تعتبران من الأساليب الوقائية الجادة فعلا لمنع الإرهاب المذموم والقضاء عليه إن وجد من أي كان. أولاً: العدل الشامل في المجتمع، إذ إنه لما رأينا تطبيق العدل في تاريخ الأمم وخاصة المسلمين منتشرا بين الراعي والرعية ولم تهضم بوجوده حقوق الناس وجدنا أن الحياة كانت مفعمة بالإخاء والتعاون والسلام حتى بين المسلمين وغيرهم. ولما تفشى الظلم من الطغاة الحاكمين الذين أخذوا شعوبهم بالقهر والتسلط والاستبداد وجدنا رد الفعل قائما، سواء كان ضعيفا كعهد ما قبل ثورات الربيع العربي على سبيل المثال أو قويا كما لاحظنا ونلاحظ في المواجهة والمجابهة من الرعية التي تقدم من مالها وأرواح أبنائها لنيل العدالة والحرية، فالأمر بالعدل والقيام به يعتبر أسلوبا قويا يوقف التعدي والتجاوز والطغيان وبالتالي فلا يكون إرهاب ولا إرهابيون ولماذا نصل إلى هذه الحالة إذا كان عضو المجتمع يجد نفسه مكرما بالعدل لا فرق بينه وبين غيره من أبناء الحكام الظلمة ومن يحسبون عليهم من أعوانهم. ولذلك رأينا كيف طبق عمر بن الخطاب رضي الله عنه العدل في إجراء القصاص بين ابن القبطي وابن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأمر بلطمه كما لطمه، معلنا أهم حقوق الإنسان بقوله: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، وتعتبر هذه القاعدة في غاية الأهمية ومنذ أربعة عشر قرنا، لا في عصرنا الحديث هذا، حيث ضمنها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان كأول مادة فيه. وهكذا فالعدل الذي هو اسم من أسماء الله تعالى وبه تقوم السماوات والأرض، كما قال رسول الإسلام، وحث النفوس عليه بنقله عن ربه سبحانه: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا). إن الهدف للأمة واضح وهو تحريم الظلم، والأسوة فيه الله ورسوله، بل إن الإسلام ليوجب علينا ألا نركن للظالم الطاغية على شعبه، فإذا ما ركنا واستسلمنا ولم نعد العدة خذلنا الله ولم ينصرنا: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) 133. هود. ولذا فإننا نجد أن من خرج في الثورات العربية ضد الحكام الظالمين المستبدين المفسدين إنما ينفذ أمر الله تعالى ويضحي في سبيل الله الذي يبغض الظلم ويمقت أهله ويدعو لمواجهتهم وما يجري اليوم في سورية من أعلى درجات الظلم وهي القتل والإرهاب، وما يجري في العراق ومصر واليمن وغيرها، إنما يصب في هذا الإطار، فلو كان عدل لما حدث ما حدث، كنا نقول من بداية الثورة السورية، بل قبلها، لو أن مثل بشار الأسد عدل قدر الإمكان في الشعب ولم يستحوذ هو وأبوه من قبله على السلطة وثروة البلاد ومقدراتها لعائلتهم وحاشيتهم وشبيحتهم ويسرقون العباد ويقهرون أهل الفكر والعلم الأحرار ويعذبون ويقتلون وينتهكون، لما كانت للناس معهم مشكلة، فالناس ليسوا طائفيين مثلهم، وكذلك قل في حكام العراق الطائفيين. لقد كان صدام حسين يظلم السنة والشيعة معاً ولكن الحكام الجدد ركزوا طغيانهم كله ضد أهل السنة فقط، فأي طائفية حاقدة هذه. وقس عليهم طائفية الحوثيين في اليمن، وكذلك استبداد الانقلاب في مصر وعمله لصالح الصهاينة، جهاراً نهاراً، وقتله وسجنه الأحرار من أبناء شعبه. ومن هنا فإذا لم تنهض ساق العدل ولو بحدود أمام الجماهير، فإنها ستواصل احتجاجاتها ودفاعها ضد الظالمين مهما بلغوا ولن يسود الأمن والأمان بلا عدل. وسيبقى هؤلاء الظالمون المتسببين الحقيقيين بانتشار ما يسمونه إرهابا، إذ هم أنفسهم الذين نشروه ليحفظوا كراسيهم، بل ليحفظ الاستعمار لهم هذه الكراسي مكافأة لهم، فيخدمونه كما يشاء وبحجة الإرهاب. وقد ذكر الدكتور محمد الحوفي في كتابه "سماحة الإسلام" ص 82 شهادة البطريق "عيشويابه" الذي تولى منصبه 1249-1258م: "إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، إنهم ليسوا أعداء النصرانية، بل يمتدحون ملتنا ويمدون يد العون إلى ديننا وكنائسنا"، وهو ما أكده السير توماس أرنولد: إن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا بين جماعات المسلمين لشاهد على تسامح المسلمين. وهنا يرد قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه - خصيمه - يوم القيامة)، وعليه فإننا نستنكر كل ظلم يقع عليهم دون وجه حق وما لم يحاربونا. ثانياً: الحكم بالشورى، وذلك بحرية إبداء الرأي والمشاركة في اتخاذ القرارات، بحيث لا يكون الحاكم فرديا يعتبر نفسه لا يخطئ أبداً ويلغي حقيقة الديمقراطية التي لا مانع أن تعتبر وسيلة من الوسائل لتطبيق الشورى الإسلامية. ومع أن رسول الله سيد الخلق الموحى إليه من ربه، لكنه كان يستشير ولا يعتبر معارضته في الاجتهادات الدنيوية جرحا له أو انتقاصا من قدره، بل يتقبل كل ذلك بصدر رحب وينفذ ما فيه مصلحة الأمة في السلم والحرب مثال (تأبير النخل - غزوة بدر)، وهما مثالان من مئات الأمثلة في سيرته صلى الله عليه وسلم، وهكذا فإننا نقول: إنه ما بقي معظم حكامنا العرب والمسلمين بالعقلية الظالمة الأمنية المسلحة فقط ضد شعوبهم ولا يرون إلا رأيهم ولا يعدلون حتى في أبسط حقوق الرعية. فإن ما يسمونه إرهابا سوف يدوم ولكنه في الحقيقة نهي عن المنكر وليس إرهابا وأن معظم هؤلاء الحكام وأسيادهم من اليهود والأمريكان والروس والمجوس وأذنابهم هم الإرهابيون حقا، حيث لا يعادل إرهابهم إرهابا أبداً.