18 سبتمبر 2025
تسجيليقال إن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري كان يعرف كيف يربح، وإذا خسر يعرف كيف يحول الخسارة إلى ربح.. يبدو أن هذه الموهبة لا تنطبق على التركة السياسية الكبيرة التي خلفها الحريري. عشية اغتيال الحريري الأب في 14 فبراير 2005 كانت شعبية بيت الحريري وتياره السياسي بمثابة تسونامي جارف لا يمكن لأي منافس أو فريق سياسي أن يقف بوجهه أو حتى يخاصمه إلاّ أن التيار لم يكن على ما يبدو مؤهلاً لهذا التتويج سياسياً إذ أن "المستقبل" ارتكب سلسلة أخطاء قاتلة أضعفت التيار ولا تزال رغم كل الظروف الدولية والإقليمية والمحلية التي كانت مؤاتية لدفع التيار صعوداً يوماً بعد اليوم. جاء اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي ليعيد الروح إلى الجسد الشاحب.. فهل ذهب الشحوب عن وجه المستقبل؟. مع دعائنا العميق أن يتقبل الله اللواء الشهيد عنده وأن يلهم أهله الصبر والسلوان إلا أن الشحوب ازداد على وجه "المستقبل". لقد كان بإمكان تيار المستقبل وحلفائه تتويج أعلى درجات النصر لو أنهم أداروا معركتهم بشكل أفضل مما حدث يوم تشييع الشهيد اللواء وسام الحسن. فقد كان من تداعيات الاغتيال أن كفّ خصوم الحسن عن الإساءة إليه وألبسوه ثوب الشهادة والبطولة رغم أنهم اتهموه بأقذع أنواع التهم قبل الاغتيال. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في تأبينه للشهيد قال إن الحكومة ساقطة عاجلاً أم آجلاً، بل ذهب إلى أبعد مما تتصور قوى 14 آذار حين ربط سياسياً بين الاغتيال وملف الوزير السابق ميشال سماحة المقرب من النظام السوري.. رئيس الجمهورية الذي تموضع في الأشهر الأخيرة قريباً من موقف 14 آذار ، قال إن على القضاء البتّ سريعاً في ملف سماحة، وأن السيادة والاستقلال لا رجعة عنها في لبنان.. وليد جنبلاط الذي يمثل بيضة القبّان في أي تحالف سياسي في البلد، اتهم منذ اللحظة الأولى النظام السوري بالوقوف وراء الاغتيال وبدا أقرب إلى موقف 14 آذار في الملفات الداخلية أكثر من ذي قبل، حتى أن القيادي في قوى 8 آذار ، رئيس مجلس النواب نبيه بري قال إنه ليس متمسك بالحكومة الحالية بتاتا. إنجازات كثيرة لم تكن قوى 14 آذار تحلم بها قبل يوم الجمعة تاريخ اغتيال اللواء الحسن، لكن ما العمل؟ مصيبة تيار المستقبل أنه لا يملك رؤية واضحة لقيادة البلد، ولا لقيادة جمهوره العريض، ولا حتى لحفظ المكتسبات التي يمنّ بها عليه الأعداء قبل الأصدقاء.. خطأ واحد ارتكب خلال التشييع يوم الأحد الفائت كان كفيلاً بقلب الموازين رأساً على عقب وتغيير اتجاه عقارب الساعة التي كانت تجري بسرعة مذهلة لصالح تيار المستقبل ونحن على أعتاب انتخابات نيابية قادمة.. خطأ واحد لا مبالغة كان كفيلاً بإعادة الروح لقوى 8 مارس وللحكومة التي عادت أقوى من ذي قبل بعد أن تدخلت القوى الغربية لدى رئيس الجمهورية لثني ميقاتي عن الاستقالة حين رأت كيف زحف جمهور تيار المستقبل إلى السراي الحكومي في محاولة لإسقاط حكومة نجيب ميقاتي بالقوة، وهو ما استدعى رداً عنيفاً من القيادات الدينية والسياسية في الطائفة السنية الذين رأوا في المشهد ضرباً لمكاسب الطائفة ولموقعها السياسي، لأن رئاسة الوزراء ليست ملكاً لميقاتي أو السنيورة أو الحريري.. ثمّة خلل كبير في أداء تيار المستقبل وربما في نهجه السياسي، حيث يلحظ انعدام الرؤية تماما لديه حين يحاول التعامل مع قضايا أبعد من زواريب انتخابية في بيروت أو الشمال أو الجبل أو الجنوب. على تيار المستقبل أن يجري عملية جراحية لجسده ونهجه السياسيين مهما كان حجم الألم الذي سيتملكه، لأنه إذا ما استمر في مكابدة الألم والتعايش معه كأنه غير موجود سيزداد الورم حتى يقضي على الجسد نفسه الذي سيجد نفسه عاجزاً عن التراجع أو إيقاف عجلة الموت... لا شك أن في مكان ما هناك مسؤولية تقع على عاتق تيار المستقبل.