02 نوفمبر 2025
تسجيليقول عثمان بايديمير رئيس بلدية ديار بكر المنتمي إلى حزب السلام والديمقراطية الكردي والمتمثل في البرلمان بحوالي 36 نائبا،بعضهم، حين انتخبوا نوابا، كانوا معتقلين ولا يزالون، أن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان هو من القوة بحيث يستطيع أن يحل المشكلة الكردية إذا أراد. ليلى زانا النائبة الكردية التي لها تاريخ من الصراع مع الدولة التركية وقبعت في السجون لسنوات، التقت منذ أشهر أردوغان في خطوة غير متوقعة بعدما تحدثت عن أن أردوغان يمكن له أن يحل هذه المشكلة. في المقابل تتكرر التصريحات من أردوغان نفسه ومن قادة في حزب العدالة والتنمية عن إمكانية حل المشكلة الكردية عبر الحوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجالان المعتقل في جزيرة ايمرالي ببحر مرمرة. وكان للحكومة عبر قيادة الاستخبارات التركية مفاوضات فعلية مع ممثلين عن "الكردستاني" في مدينة أوسلو النروجية كشف عنها سابقا. وأردوغان نفسه أعاد التذكير مؤخرا بأنه يمكن أن يجدد الحديث مع أوجالان إذا كان ذلك يخدم الوصول إلى حل. في المقابل عكس كاريكاتور في صحيفة ميللييت التركية واقع حال العلاقة بين أردوغان والمسألة الكردية وفيه أردوغان خلف مقود سيارة يحتار في أي اتجاه يسير:نحو حزب العمال الكردستاني أم نحو حزب السلام والديمقراطية الكردي. وفي الواقع أن ذلك يضع الكرة في ملعب أردوغان. ذلك أن حزب السلام والديمقراطية لا يختلف موقفه المبدئي عن وقف حزب العمال الكردستاني. المطالب واحدة وأسلوب العمل فقط يتغير". الكردستاني" يتحرك بالسلاح على الأرض، و "السلام الديمقراطية" تحت قبة البرلمان. لذلك فإن التساؤل هو عن حقيقة موقف أردوغان لا أوجالان ولا حزب السلام والديمقراطية. ومع أن خطوات حكومية اتخذت في السنوات الأخيرة لتنفيس الاحتقان الكردي في البلاد غير أنها لم تكن كافية لبلوغ أهدافها. إذ لامست هذه الخطوات قشورا ولم تدخل إلى عمق المطالب الكردية. وحيرة أردوغان وتردده لا يعكس مجرد ارتباك وتخبط بل إنه يعكس ذهنية تركية تأسست مع أتاتورك واستمرت مع خلفائه من المتشددين من العلمانيين والعسكريين ولم ينجُ من هذه الذهنية الأحزاب الإسلامية بزعامة الراحل نجم الدين أربكان وصولا إلى رجب طيب اردوغان بحيث أن "جردة" بما تحقق للأكراد لا تعكس أي تقدم فعلي على الأرض. يريد الأكراد أن يعيشوا هويتهم في مناطقهم،في إدارات الدولة، في التعلم بلغتهم في المدارس والجامعات، طبعا بموازاة اللغة التركية، وفي أن تكون لمناطقهم صلاحيات مالية وتشريعية يمكن ترجمتها فقط في الحكم الذاتي كحد أدنى.ويريدون أن تكون لهويتهم ضمانات في الدستور التركي الجديد إذا ما تسنى إعداده. إضافة إلى بعض المطالب الأخرى ومن أهمها إطلاق سراح أوجالان وأن يكون هو المخاطب لدى الدولة التركية. في معظم البلدان والكيانات التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى تغلبت النزعة القومية لدى الأكثرية على طبيعة السلطة وممارساتها فكانت سياسة إقصاء الأقليات وتهميشها وصولا إلى محاولة إلغائها بالعنف. والأكراد في تركيا كانوا ضحية سياسة تدميرية غير مسبوقة ولاسيَّما في عهد مصطفى كمال أتاتورك وفي التسعينيات. وتشير جميع الدراسات والتقارير إلى استبداد ذهنية قومية كانت تتقدم على ما عداه ولم تتغير حتى في التفاصيل "الصغيرة" مثل استخدام أحرف للكتابة غير موجودة في الأبجدية التركية. ومع أن أبعاد إقليمية بل دولية أضافت تعقيدات إلى المسألة الكردية في تركيا فإن الكرة أساسا لا تزال وستبقى في الداخل التركي. وليس مقبولا أن يمد حزب العدالة والتنمية غصن زيتون مرة إلى حزب السلام والديمقراطية ومرة يتهمه بالإرهاب. وليس مفهوما كيف يكون أوجالان إرهابيا وتشن القوات التركية الغارات تلو الأخرى على معاقل مقاتليه، فيما تبادر أنقرة أن الحل لا يكون إلا بالحوار معه. لقد أظهرت التطورات الأخيرة في المنطقة منذ حوالي السنة أن المخاطر على تركيا من جراء استمرار المشكلة الكردية تزداد حدة وتعقيدا. وأظهرت في الوقت نفسه أن محاولات التذاكي والتلاعب من جانب السلطة لن يخفي حقيقة أن الحل يبدأ بالاعتراف الكامل بالهوية الكردية وما يترتب على ذلك من خطوات.. مُرّة، ستكون أفضل من استمرار الفتنة وإراقة الدماء أو من.. الانفصال الكامل.