13 سبتمبر 2025

تسجيل

القوقاز وآسيا الوسطى.. ماذا تعنيان للعالم العربي؟

27 سبتمبر 2023

من الواضح أننا نعيش فترة التحولات على المستوى العالمي والإقليمي. مثلما رأينا التحولات في المنطقة العربية في العقد الأخير، نراها حالياً في منطقة القوقاز المعروفة بأهميتها الجيوإستراتيجية، بالنسبة للشرق والغرب، وللجنوب والشمال، هذه المنطقة كانت حاسمة في الحربين العالميتين، الأولى والثانية. العالم التركي المعروفة باسم تركستان القديم في آسيا الوسطى منطقة مهمة أيضا بإرثها التاريخي. هذه المنطقة كانت لؤلؤة العالم الإسلامي بمراكزها العلمية والتجارية، التي كانت توازي الأندلس. بعدما دمر المغول آسيا الوسطى في القرون الوسطى، عاشت هذه المنطقة ذروة قوتها العسكرية في عهد الدولة التيمورية التي وصلت إلى الأناضول وإلى بلاد الشام في القرن الخامس عشر. احتضنت آسيا الوسطى العديد من الدول والحضارات المتعاقبة في التاريخ، وأبرزها دولة المغول والدولة التيمورية. آسيا الوسطى ضعفت بعد انهيار الدولة التيمورية وبرزت دول متعددة في مكانها. هذه المنطقة التركية سقطت في يد الحكم الروسي القيصري في القرنين الثامن والتاسع عشر. بعد الثورة البلشفية حاولت الشعوب التركية في آسيا الوسطى أن تنال استقلالها بعد الحرب العالمية الأولى لكنهم قُمعوا بقسوة. ثم تمكنوا من تحقيق استقلالهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وبرزت دول أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان. معظم دول آسيا الوسطى هي غنية بالنفط والغاز، لكن بدرجة أقل من الدول العربية النفطية. على سبيل المثال، كازاخستان معروفة بالأراضي الشاسعة الخصبة إضافة إلى النفط والغاز، والدول الأخرى في هذه المنطقة لها خصوصيات مختلفة، أهمها موقعهم الجغرافي بين قوتين عالميتين، الصين وروسيا، فضلاً عن وقوع دول آسيا الوسطى على الممرين الشمالي والأوسط لطريق الحرير الصيني (مبادرة الطريق والحزام). هذه المنطقة أصبحت مهمة أكثر بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وبعد تصاعد هواجس الصراع المرتقب بين الصين والولايات المتحدة، لذلك زاد اهتمام هذين الطرفين بآسيا الوسطى. تركيا من جهتها لها علاقات متميزة وروابط قوية مع دول آسيا الوسطى التركية، خاصة الثقافية والسياسية والاجتماعية، فشعوبهم تتحدث باللهجات التركية. هنالك أربعة عوامل متداخلة، عززت من مكانة دول آسيا الوسطى في السنوات الأخيرة. الأول، الضغط الأمريكي على الصين أدى إلى ازدياد الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة. شهدنا ذلك أثناء جائحة كورونا وفي عهد دونالد ترامب. العامل الثاني، حدث في نفس وقت العامل الأول تقريباً، وهو انتصار أذربيجان وتمكنها بدعم من تركيا من استعادة أراضيها في إقليم قرة باغ من سيطرة الأرمن، مما رفع معنويات شعوب آسيا الوسطى وزاد من ثقتها بنفسها، وخلخلت النفوذ الروسي التقليدي في هذه المنطقة، ولو جزئيا. العامل الثالث هي الحرب في أوكرانيا، فهي أيضا تؤدي إلى تآكل نفوذ روسيا في المنطقة، وإشغال الروس عن التطورات في آسيا الوسطى. آخر مثال على ذلك، عندما أكملت أذربيجان إستعادة أراضيها في قرة باغ إبان حرب العام 2020، سارعت روسيا إلى ترسيخ موطأ قدمها في القوقاز، بذريعة التوسط بين طرفي الصراع أذربيجان وأرمينيا ونشر قوات سلام روسية في منطقة الصراع، لكن مسارات الحرب في أوكرانيا والانتصار الأذربيجاني الأخير باستعادة ما تبقى من إقليم قرة باغ الأذربيجاني من سيطرة الأرمن ألغت ذلك المخطط الروسي. العامل الرابع، سعي الغرب لتأمين مصادر لموارد الطاقة بديلة عن موارد الطاقة الروسية، عزز كذلك من مكانة الدول التركية النفطية في آسيا الوسطى، مثل الدول العربية النفطية. في ظل هذه التطورات، أصبح التعاون بين الدول العربية ودول آسيا الوسطى التركية مهما جداً، في المجالات الأمنية والطاقوية والسياسية. من جانب آخر، يمكن للدول الدول العربية، خاصة الخليجية، أن توازن الضغوطات الإيرانية من الشرق والشمال، من خلال علاقاتها بدول آسيا الوسطى. الدول العربية بدأت تهتم بجدية أكبر بآسيا الوسطى، قمة جامعة الدول العربية في عام 2022 في الجزائر استضافت الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وعقدت القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى في مدینة جدة بالمملكة العربية السعودیة في تموز الماضي من العام الحالي. البیان الختامي لقمة جدة أكد على «أهمیة تعزیز العلاقات السیاسیة والإستراتیجیة بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى، إضافة الى التعاون التجاري والاقتصادي وتشجيع الاستثمار المشترك»، وأشار البيان إلى ضرورة تطوير طرق النقل بين المنطقتين وبناء الشبكات التجارية واللوجستية. حروب الممرات التجارية واللوجستية تحظى بأهمية كبيرة في الآونة الأخيرة، ومن المتوقع أن الروابط التاريخية والمعنوية بين الشعوب ستسهم بشكل كبير في تشكيل العالم الجديد. إذن، العلاقات بين الدول العربية والدول التركية في آسيا الوسطى تكتسب أهمية إستراتيجية في العالم المتغير.