30 أكتوبر 2025

تسجيل

الأدب مرآة عاكسة لحياة العرب

27 سبتمبر 2022

يُعد الأدب العربي مرآة عاكسة لحياة العرب، فكان بحرا بعيدا ساحله، عميقا غوْره، عتيقة أصدافه، نفيسةً لآلئه، بل وكان حديقةً غنّاء يأسرك شذى عطرها ورونق أقاحيها وسحر عنادلها، فمن أراد أن يعود إلى هذا الزمان الجميل ويشتمّ عبقه الزكيّ ويعيش بين أجداده الأولين ويراهم رأي عين، فليعد إلى هذا الموروث الأدبي العربي القيّم. يُعرف الأدب بأنه كل ما ينُتج من شعر أو نثر بأسلوب لغوي أنيق: للتّعبير عمّا يختلج النفس من مشاعر وأحاسيس للتّأثير في المُتلقي. ذلك وقد حفظ الأدب ماضي الأمة الذّي تشكّل وتجّمع رويدا ليُكوّن الموروث، والذّي يتجلّى في كل ما خلّفته لنا الأمة العربية منذ القدم والذّي يُعدّ نفيساً بالنسبة إلى تقاليد العصر الحاضر وروحه. فلو تأمّلنا وقلّبنا صفحات تاريخنا لوجدناها زاخرة بالحكايات وأبيات الشعر والأقاويل، فمثلا لا يغفل عن امرئ قطّ مكانة الشعر المرموقة لدى العرب خاصة في الجاهليّة أين كان النظام القبلي عماد الحياة العربية، واتّضحت حينها تجليّات الحميّة والحماسة والثّأر، خاصّة في أبيات العديد من الشعراء النوابغ كعمرو بن كلثوم وعروة العبسي وأبو خراش الهذلي، ولكن ومن أحسن العرب حينها شيمة ومن أعزّهم نفسا، عنترة بن شداد، القائل بكل رجاحة عقل وهو من صنع مجده بيديه: لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرتَبُ وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ (1) ويتواصل مجد العرب والعالم بأسره بقدوم أشرف الخلق وأطهرهم سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم مبعوث السّلام للكون، فقد أنقذ الله جل جلاله البشرية بالمُصطفى صلى الله عليه وسلم، فسيرته من أعظم السّير وحياته النبيلة صلى الله عليه وسلم تنير أوجه الحياة كلها: فكيف بنا من "كان خُلقه القرآن". دون أن نغفل عن ذكر الصحابة، خير القرون: كأبي بكر الصديق، الفاروق عمر، وغيرهم من رفقاء الصعاب والمحن وأهل الجهاد والبيعة، – رضوان الله عليهم جميعا –، فالكلمات التي لفظتها أفئدة هؤلاء يضيق المقام لذكرها إلا أنّها محفورة في وجدان البعض، ولا يزال أثر كلماتهم باقية في أنفس العديد ممّن يعتزّ بدينه الشريف، ولا ننس مطلقا أئمّة الإسلام جميعا، من البخاري إلى مسلم وأبي حنيفة، وقد كان كل فرد منهم بأُمّة، فلا وجود لأبلغ مما قاله هؤلاء جميعا، ذلك وقد جمعوا بين سحر البيان والفصاحة وبين الكلام الحق والعلم النافع، وكفى بمختلف المجلدات التي نقلت علمهم الجاري واللامنضب، تراث أدبي مصبوغ بصبغة دين الله الحق، فقول من صلى الله عليه وسلم بألف كتاب من المعاصر، وآية من الرحمن لن تجد لها مثيلا مدى حُييت. تتوالى السنوات ليأتي العصر الأموي، ثم يليه العصر العباسي أو كما يُعرف بفترة الإسلام الذهبية، والتي شهدت ازدهارا أدبيا مهولا، شعراء وأدباء وعلماء دين، فتنبهر بفصاحة المتنبي والبحتري وأبي تمام لتُعجب بالفارسي ابن المقفع والجاحظ، مرورا بابن حنبل وقوفا عند المناضل الإمام الشافعي القائل: (قل للذي مَلأ التشاؤمُ قلبَه.. ومضى يُضيِّقُ حولنا الآفاقا، سرُّ السعادةِ حسنُ ظنك بالذي.. خلق الحياةَ وقسَّم الأرزاقا) (2). الأدب العربي موروث قيّم نفيس، به يحيا المرء ويستعين به في مواصلة الركب الحضاري طالما ظلت لغة الضّاد متجذرة في الأرواح، وسيبقى الأدب ما بقي الإنسان، يُؤثر كلٌّ منهما في الآخر ويؤثران في الحياة.