15 سبتمبر 2025

تسجيل

ظاهرة الرياح في تراثنا العربي

27 سبتمبر 2022

حلق طائر التراث العربي الأدبي بعيدًا في سماء العالمية؛ لما يذخرُ به التراث العربي الأدبي من الظواهر الجميلة، التي تستحق التأمل، في جناحيه (الشعر والنثر)، فهو ما زال يحتفظ بتلك الظواهر بالرغم من تعرضه لرياح التجديد العاتية، التي تركت عليه بعض الآثار والتغيرات أثناء تحليقه عاليا. فمن تلك الظواهر شديدة الأهمية في تراثنا الأدبي - لا سيما في الشعر - ظاهرة الرياح، والتي لم تلق حظا في دراساتنا الأدبية، إذ تعد الرياح من الظواهر التي اهتم بها الشعراء كثيرًا، فلا يخفى على دارس الأدب العربي الحضور الكبير لمصطلح الرياح بجميع مسمياتها التي سماها بها العرب، إذ تذخر الرياح في التراث العربي بمسميات كثيرة - ويكثر العرب من تسمية الشيء إذا كان ذا أهمية، فتمثل الرياح أهمية كبيرة لدى الشعراء - فمن تلك الأسماء: الجنوب، والشمول، والدبور، والصَّبا، والسموم، والحرور، والروامس - كان العرب يفتحون الحرف الأول في تسمية الرياح، بالرغم من أن العرب نادرا ما يفتحون الحرف الأول في المصادر- (المبرد). تُجمع على (أرواح)؛ لأن أصلها واوي، وفي هذا الجمع نرى فيها شيئا من معنى الروح، والتي تجمع على أرواح أيضًا، وذلك عند تأملنا في كيفية توظيفها سواء في القرآن الكريم أو الشعر، إذ جُسدت كثيرًا، فحملت بذلك الصفات الإنسانية، إذ وظفها القرآن الكريم في عدة مواضع لأغراض مختلفة، إذ يقول تعالى: (وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ) (الحجر٢٢)، ونرى ذلك بإضفاء صفتي الإرسال والتلقيح. وقد تكون سببا للعذاب وهلاك الأمم، إذ هي لون من ألوان العذاب (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا..) (فصلت ١٦)، وقد تأتي رحمة وبشرى للعالمين (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) (الروم ٤٦)، فجميعها فيها تجسيدٌ للرياح، والتجسيد هنا يستلزم التشخيص والتشخيص يستلزم الروح، لا سيما عندما تكون الرياح بشرى، إذ يكون فيها شيء من الروح، لذلك يمكننا بوضوح أن نرى هذه العلاقة بين الرياح والروح وبين جمعهما على أرواح، وتجمع أيضا على أراويح لما فيها من راحة عندما تهب، فغالبا ما تحمل الريح معها شيئا من البرودة الخفيفة اللطيفة، التي تبهج النفس، فالريح من نفس الرحمن، فلولا هبوب تلك الرياح، لقت الحياة، فهي من تقوم بتغيير حالة الهواء من الكثافة القاتلة للنبات والحيوان والإنسان. ونجد أن الشعراء قد أكثروا من ذكرها في أشعارهم، لما لها من تأثير كبير على حالتهم النفسية، من سرور وغضب، لا سيما ريح الجنوب التي يحبذها الشعراء؛ لما تحمل من برودة ترخي الأعصاب، ولما لها من تأثير أيضا على نوقهم وحيواناتهم، ونرى ذلك حين يصفون رحلتهم (شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب، ٢٠٠٦). وقد وظف الشعراء هاته الرياح لعدة أغراض في شعرهم، سواءً بالإيجاب أو السلب، فقد يستعينون بها لنقل أخبارهم، وتحياتهم، وحالتهم النفسية للمحبوبة يكون استخدامها حينها إيجابا، وأيضا يوظفونها بطريقة سلبية حينما تسفي هذه الرياح الأطلال - لا سيما أطلال المحبوبة - فهي بذلك تطمس هذه المعالم، فيشبهونها في هذه الحالة بالوشم على اليد أو بالكتابة على الصحف، وأكثر الرياح ارتباطا بالأطلال هي ريح الصَّبا؛ وذلك لارتباطها بالغزل لدى الشعراء، فهي ريح العشاق، وقد استخدمت بلفظ المؤنث في جميع حالاتها إلا في حالة الإعصار كما ذكر (الزبيدي). خلاصة القول إن بين الشعراء العرب والرياح علاقة وثيقة، إذ تتخلل جميع الأغراض الشعرية من مدح، ورثاء، ونسيب، وفخر، ووصف فلا يمكنك تخيل أشعارهم بدون هذه الرياح، إذ تبث الروح في أشعارهم بحركتها المعنوية في الأشعار حين يستحضرها عقلنا اللاواعي.