12 سبتمبر 2025

تسجيل

زعلان على ديرولو

27 سبتمبر 2022

طبيعي أن يكون صعبا على الإنسان أن يعيش في عزلة عن المجتمع الذي يعيش فيه، كما هو طبيعي أيضاً أن يرفض إنسان اليوم أن يعيش في غابة لا ثوابت فيها أو سلوكيات. لاحظوا وجهة المقاربات بين الصعوبتين، في مجتمع عزلة وآخر في مجتمع فوضوي لا نظام فيه! وكلا المحيطين يعتبران في صراع حول فقدان الأساس وعدم وجود ما يتم التمسك به من مبادئ وقيم ترسم أخلاقيات الإنسان وتهذب سلوكياته. بمعنى آخر، يجب أن نؤكد في البداية على أن كل ما يسير أمر الإنسان في عالم لا هو معزول ولا هو فوضوي هي القيم والمبادئ، لأنهما انعكاسات تمكن الإنسان على رسم حدوده مع الآخر ومقاومته ضد الآخر، ومع التطور وضد الانفتاح من دون إطار قيمي حوله! ولربما هذا الجزء بالتحديد الذي نقف عنده طويلاً كي نحدد مدى المحافظة على القيم والمبادئ في ظل الانفتاح والشعور بالاغتراب في المحيط الذي نعيش فيه. هي المسألة سهلة أن تطبق بالقانون، ولكن عندما يأتي الموضوع على الثوابت، فالقيم لا بد وأن تكون سباقة للأنظمة، بل إن القيم والمبادئ لا بد وأن يكونا رواسخ ما قبل نقلات التطور. وكبداية، لا بد أولاً الفصل بين المفهومين، فغالباً ما نقوم بالتعبير الشفهي عن المفهومين وكأنهما توأم لا ينفصلان، ولكن في حقيقة الأمر كل مفهوم يحمل شرحه الخاص الذي قد يجعلك تستيقن بأن هناك مواعيد انفصال للتوأم! فالقيم تعرف على أنها مجموعة من الأخلاق التي تضبط سلوكيات المجتمع البشري، وهذا بشكل مختصر. أما بالنسبة للمبادئ، فهي القواعد والفكرة والسلوكيات التي توجهك. ولكن الأهم من هذا كله، مدى مصداقية الأخلاقيات والسلوكيات واقتناع الشخص بها، حتى يضمن تطبيقها ليس فقط بصورة جيدة، إنما باستمرارية تشمل أجيالا سابقة وقادمة. هنا تكمن مسألة الثبات! في هذه الحال، نحن نتساءل عن مدى التضارب بين المفهومين، في حال تضررت القيم، ماذا يحدث للمبادئ؟ وفي حال أصبحت المبادئ أكثر مرونة، كيف تضمن ثبات القيم من قبل أفراد المجتمع؟ إذ إن المسألة لا ترتبط بالحداثة أو مواكبة التطور أو حتى الانفتاح، لأن من الواضح أن الإنسانية لا بد وأن تواجه وتواكب مثل هذه النقلات البشرية الكبيرة، ولكن لا بد أن يظل السؤال قائما من حيث كيفية الحفاظ على القيم، وما هي تلك القيم التي ما زلنا نحافظ عليها، هل نحافظ عليها فعلاً، أم أن ممارساتنا في هذه الحال تختلف عن قيمنا الثابتة، والتي قد ينتج عنها الخلل في تطابق التوأم من حيث المنطق والمبدأ. ولتتجرد قليلاً عن مفهوم الهوية الوطنية هنا، قليلاً فقط، لأنك إن خشيت على هوية لربما تغفل عن أساس تلك الهوية. ففي لحظة التذمر والنقد قد تحمل مشاعر الغيرة وحتى مطالبة الآخرين والغرباء منهم باحترام قانونك، في حين أن القانون ليس ما تحتاج إليه بالضرورة عند لحظات غضبك خاصة بعد وقوع الحدث وفوات الأوان، فأنت في حاجة إلى توعية الآخر بمعاييرك الراسخة وثوابتك التي تمارسها كونك فردا من المجتمع. باختصار أنت تحتاج مساءلة من عزل نفسه في محيطك وعاش في غابته وسط مجموعة لا تتحمل الإخلال في القيم والعادات والتقاليد وتخشى على موروثاتها! المغني الأمريكي جيسون ديرولو لم يأتِ إليك من الغابة، فهو قادم أيضاً من دولة بها قانون وبها معايير للقيم والمبادئ وتختلف بسقفها العالي المنفتح مقارنة بمعاييرك الأخلاقية والدينية الرصينة. لذلك تظل القضية مسألة الحفاظ على الثوابت والتصدي لمن يرغب ويحاول رفع السقف فيها! لماذا تستاء من الغريب الذي يتم دعوته بحسب معاييره هو وليست بحسب معاييرك أنت! وكيف فرض معاييره عليك من الأساس؟ فلا تحزن من حضور ديرولو بمعاييره وشروطه! بل بادر بمساءلة من خضع لمعيار الآخر وطمس المبدأ الذي من المفترض أن يكون مبدأك أيضاً! لا تحزن على ما يقع بعد الحدث، لأنك إن عبرت عن حزنك على ضياع القيم، فأنت مشيت مع الموكب الحزين عوضاً عن اكتشاف الخلل. بل حاول أن تعمل على موازنة الاتجاهات لترى الفرق وتبحث عن الخلل حتى تسده ليس بشكل سريع فقط، إنما بالمنطق الأساسي والثابت الذي من المفترض أن تعتمد عليه بحسب مبادئك وقيمك الراسخة ما قبل الحدث.