07 أكتوبر 2025

تسجيل

التطور بالانتقاء

27 سبتمبر 2020

سعينا المستمر لتحسين جودة الحياة، سمه رفاهية أو مستوى معيشة أو تطورا مجتمعيا، سمه ما تشاء، المهم كيف نقود هذه العملية، هل نقودها بوعي وإدراك لأهميتها، لا نتركها للارتجالية والمحفزات البيئية، من ضغوط ومماحكات وأحاسيس وعواطف؟ أم إن هناك نهجا بسيطا وأنيقا نحن نتبعه؟ أم إن هناك نهجا طبيعيا ستفرضه الحياة في نهاية الأمر؟، فإما نقودها بدراية وحرص وعناية أو بحكم الواقع الذي يفرضه الزمن. هل انتقائية السياسات والإجراءات ونظم العمل ونماذجه، هي مهارات يمكن أن ترتكز على مفاهيم تمكن من تسريع وتيرة التطور مع درجة عالية من الأمان؟ فبانتقاء العناصر المكونة للعمليات الإدارية التي تعد بالنجاح تبشر مع مرور الزمن بتحقيق درجة أعلى من النجاح، ومع مرور الزمن وتراكم الخبرات وتواصل عمليات الانتقاء مع مرور الزمن وتعدد التجارب تبرز نماذج عمل أكثر تطورا وأكثر قابلية للتكيف والتواؤم مع المتغيرات. كما تقوم الحياة بانتقاء المخلوقات القادرة على البقاء، واكتساب الصفات الوراثية المناسبة للحياة، فإن قدرة الإنسان والإنسانية على الاستمرار في انتقاء العناصر والمكونات الثقافية والسلوكية ومنظومة المفاهيم الحاكمة لتصرفات البشر في مختلف الفضاءات المجتمعية أو الاقتصادية البيئية أو الإدارة أو نماذج العمل والأعمال، إن استطعنا معرفة كيفية تحديد تلك العناصر، من خلال نظم وآليات واضحة ومستقرة أمكننا النظر لآلية تطوير وتحديث مناحي حياتنا بشكل مستمر وسلس، نكون قد حققنا ما فشلت فيه الإنسانية على مر العصور، وهو المحافظة على مكتسبات كل حضارة دون ضياعها، كما نرى عبر التاريخ. وإن كانت اللغة هي مجرد شفرة تمكن الناطقين بها من التعرف على أفكار بعضهم البعض فإن الدماغ يختار وينتقي الأصوات والأحرف، بشكل يتفرد فيه في كل لغة، ويعطي من خلال ذلك الانتقاء صفات وقواعد لكل لغة، لتصبح فريدة وتملك سمات خاصة بها. إذاً من الأحرف إلى الجمل إلى الأصوات، كلها عناصر يختارها العقل والعقل الباطن ليصنع منها منظومة وسيمفونية سمعية وبصرية، تمكن الأمم من خلق مجتمع قادر على التواصل وبناء الحضارات، ووضع قواعد السلوك وبناء المعرفة والحكمة، فجمال انتقاء الأحرف والأصوات هو ما يخلق حب الناس للغة بشعرها وغنائها ونثرها، لتخرج لوحات فنية تمكن من استمرار وتطور اللغة، وتمسك أهلها بها نتيجة انتقاء المخيلة الإنسانية للغتها، وكذلك ننتقي بشكل واع سياسات وإجراءات مؤسساتنا وحكوماتنا ونظمنا الاجتماعية الحياتية، لأننا في لحظات بناء الحضارات وخضم الأحداث وتداعيات الأحداث لا يلتفت الإنسان إلى آليات توالي الأحداث، بل ينسبها لصفات يملكها لا تملكها الأمم الأخرى أو الشعوب الأخرى، لا يرى أنه وقع على آلية مكنته من تحقيق مكاسب حضارية وتقنية فريدة، ويمكن أن يفقد تلك القدرة على انتقاء أفضل الممارسات الإنسانية الأساسية لتحقيق النجاحات واستمرارها. فعندما يبدأ بنسب تلك المنجزات لذاته يفقد الحافز على البحث والتقصي، واختيار عناصر النجاح بالانتقاء المدرك والواعي، ويفقد رويداً رويداً قدرته على الاحتفاظ بقصب السبق، وتتردى مساعيه، ولا يعود ينظر ويتطلع لغد أفضل من اليوم. وما نراه من آثار الأمم وتعددها ومستوى التحضر والتقدم له مدعاة للتأمل، كيف تستطيع الحياة الاستمرار في انتقاء العناصر الأفضل، ويعجز الإنسان الواعي المدرك عن مجاراتها؟ فإنها تتغلب في كل مرة وكل حين، وهذا ما نواجهه في مؤسساتنا من هيئات وشركات وقطاع عام وقطاع خاص، كيف يمكن أن نراكم معرفتنا وتحسين ممارساتنا وتعديل نماذج أعمالنا، لنقوم بعملنا على أكمل وجه ونطور مؤسساتنا، مما يمكننا من تحسين وتطوير ظروفنا الحياتية، وتحقيق تطلعاتنا، وتمكيننا من الاعتماد على الذات، ولنتبوأ مكانتنا وسط البشرية بكرامة واستقلالية، وعدم الوقوع في التبعية والاتكاء على الآخرين، بل خلق دور وأدوار نقوم بها ونتشرف بتقديمها للأمم.