15 سبتمبر 2025

تسجيل

إني أعلمُ ما لا تعلمون!!

27 سبتمبر 2018

في زمن ما، أخبر الله تعالى ملائكته الكرام بأنه جاعل في الأرض خليفة.. سيكون هناك مخلوق جديد وسيكون موطنه الأرض، ويكون خليفة الله في تلك الأرض. انتهت هنا الرسالة الإلهية للملائكة وكانت لإعلامهم فقط وليس لاستشارتهم..     الملائكة الكرام ما إن وصلتهم الرسالة حتى توجهوا لخالقهم جل وعلا مستغربين متسائلين عن هذا الأمر،.. وما كان التساؤل والاستغراب إلا بسبب ما كان يحدث في ذاك الزمان في الأرض من عمليات فساد وقتل وسفك للدماء،.. فخرج ذاك الاستغراب على شكل تساؤل. ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فقد رأوا كيف كانت الجن تفسد في الأرض حينها.. أبعد كل هذا الفساد وسفك الدماء، يخلق الله مخلوقاً جديداً ليسكنه تلك الأرض ليزيدها فساداً ؟ بالطبع لم يكن تساؤلهم اعتراضاً على القرار الإلهي، لكنه أقرب إلى الشفقة على ما سيحل بالأرض من فساد، زيادة على ما كانت عليه في تلك الفترة..       تساؤلاتهم لم تتوقف، بل تعمقت - كما عند بعض المفسرين - أن الملائكة الكرام رأوا، إن كان في الأمر خليفة لله يكون بالأرض، فإنهم أحق بأن يكونوا في تلك الأرض بدلاً عن مخلوقات تفسد وتسفك الدماء كالجن الذين يعيشون فيها حالياً، أو ذاك الخليفة الذي سيخلقه الله سبحانه فيما بعد، في الوقت الذي هم – أي الملائكة –  يسبحون بحمد ربهم ويقدسونه..        جاءهم ما يوقف تساؤلاتهم كلها ( إني أعلم ما لا تعلمون.. ) فيسكت الملأ الملائكي ويتوقف عن التساؤل، فالله أعلم بالسر وأخفى. يسكت الملأ الملائكي لأنهم مفطورون على السمع والطاعة. يفعلون ما يؤمرون ولا يعصون الله مطلقاً.. لكن كما عند بعض المفسرين، دار حديث في الوسط الملائكي خلاصته أنه مهما يحدث، فهذا الخليفة لن يكون أكرم على الله منهم، ولن يكون كذلك أعلم منهم..     جاء وقت الحسم    بعد ما دار بين الملائكة بخصوص هذا الخليفة القادم، جاء ما يحسم الأمور، حيث وجدوا أن هذا المخلوق البشري ليس مخلوقاً عادياً، من بعد أن أكرمه الخالق جل وعلا لدرجة أن يطلب منهم السجود له حين ينفخ فيه الروح.. ما يعني أنه أكرم عند الله منهم، وفي ذلك إجابة على تساؤلاتهم بأن هذا المخلوق لن يكون أكرم منهم على الله، لكن طلب السجود له أفاد العكس.. وتبقى الجزئية الثانية المتعلقة بالعلم.. حيث قالوا بأنه لن يكون أعلم منهم، فإذا هم أمام اختبار حاسم لبيان من هو الأعلم: أهذا المخلوق أم هم؟   اتضح مشهد الاختبار حين سأل الله عز وجل ملائكته أن يخبروه بأسماء بعض مخلوقات الله، فإذا هم على الفور يسبحونه وأنه لا علم لهم بأسمائها.. فطلب من خليفته في الأرض، آدم عليه السلام، من بعد أن علمه الأسماء كلها، أن يخبر الملائكة بأسماء تلك المخلوقات، فأخبرهم وأبهرهم.. حينها أخبرهم سبحانه بحقيقة ما كانوا يتداولونه في الملأ الملائكي ( ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض، وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون )..    هذا هو الذي أخبرتكم بأنه سيكون خليفتي في الأرض.   إنه هو الأصلح بالعيش هناك كخليفة لله، وهو الأجدر بأن يتم تسخير الكون كله له بإذن الله، من بعد أن يمضي فترة معينة هي أشبه بفترة تدريب واختبار لميزة مهمة عنده ومن بعده أبناؤه إلى يوم الدين، ميزة الاختيار واتخاذ القرار.. وما قصة الأكل من الشجرة إلا اختباراً عملياً لآدم وزوجته حواء، ليرى الملائكة أجمعون أن هذا المخلوق يمتاز عنهم بإمكانية الاختيار، حتى وإن كان في اختياره أو قراره معصية لخالقه، لأنه سرعان ما يتعرف على الخطأ من الصواب، فيبدأ من فوره العمل على تصحيح الخطأ، عكس الملائكة الكرام الذين يفعلون ما يؤمرون ولا يعصون الله أبداً، وعكس إبليس الذي عرف خطأه لكنه لم يتراجع بل تكبر ورفض الاعتراف بالخطأ، واستمر على ذلك، فاستحق ما جاءه من خالقه إلى يوم الدين..    بتلك الميزة إذن، يستطيع آدم وذريته العيش على الأرض، مع ميزة أخرى تساويها في الأهمية، هي التعلم. وبهما يستطيع تسخير نواميس الكون لصالحه بإذن الله.. وهكذا انتهى مشهد الحوار الرائع في الملأ الأعلى بين الخالق جل وعلا وملائكته الكرام البررة.. انتهى الحدث بعد أن علموا منزلة هذا المخلوق وذريته عند الله، وبعد أن علموا أيضاً أنهم سيتعاملون معهم بصور شتى إلى ما شاء الله أن يكون..     تأمل معي أيها القارئ الكريم، كم هي عظيمة تلك الميزة، وكم هي جليلة تستحق منا كل شكر وثناء. إذ بها أكرمنا سبحانه على جميع مخلوقاته، والتي رغم ذلك يصر البعض من بني آدم منذ قديم الزمن ومروراً بيومنا هذا وإلى ما شاء الله أن يكون، على تعطيل تلك الميزة، بل تجد أحدهم يسلم عقله لآخرين يديرونه كيفما شاءوا..  إنها فعلاً مسألة تحتاج لعميق تأمل وكثير تفكير.. [email protected]