13 سبتمبر 2025
تسجيليوم الإثنين الماضي 23/9 أصدرت "محكمة القضايا العاجلة" في القاهرة قرارا حظرت بموجبه أنشطة جماعة "الإخوان المسلمون" في كامل الأراضي المصرية، والتحفظ على أموالها ومقارها.. الجدير ذكره أن دعوى الحظر هذه رفعها ضدها "حزب التجمع الشيوعي" الذي ظل متحالفا مع الساقط حسني حتى خلعته ثورة يناير ثم تحالف من بعده مع الانقلاب الدموي.. وأقول: ما يقع على "الإخوان" اليوم ليس أمرا مفاجئا ولا غريبا بالنسبة لهم كجماعة ولا كرسالة، وما هو إلا تحصيل حاصل بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الإخواني وما تبعه وتخلله من اعتقالات وإعدامات ونهب مقرات وإغلاق فضائيات وتلفيق تهم وافتراءات.. كما أنه ليس مفاجئا ولا غريبا بالنظر لأعداء "الإخوان" من صهاينة وصليبيين وملحدين ومنافقين وما يجب أن يتوقع منهم.. فالإخوان من حيث تكوينهم العقدي والفكري ومن حيث هدفهم الأساسي هم تغييريون إصلاحيون وإسلاميون.. بالتالي وبالضرورة فلا بد أن يواجهوا تحديات، وأن يخوضوا صراعات، وأن يتوقعوا اصطفافات كثيرة ونافذة ضدهم؛ هكذا هو طريق الدعوات. أما أعداؤهم فهل يتوقع منهم إلا الغدر، وإلا أن يرفضوا الإصلاح، وإلا أن يواجهوا "الجماعة" كما تواجههم؟ وإذا كان البعض يحمّل الإخوان مسؤولية استفزاز الأعداء؛ فهل تقبل هؤلاء الأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رضوا عن إسلامه ليرضوا عن الإخوان؟ السؤال هنا: هل الإخوان على استعداد للاستقالة من الإصلاح؟ وهل يقبلون النزول على رضوان الأعداء وأن يستخذوا لهم ويتمسحوا ببطونهم بدل دينهم وأوطانهم ورضوان الله تعالى؟ جدير بالتذكر هنا قول الله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وفي المقابل: هل أعداء الإخوان على استعداد للتخلي عن امتيازاتهم وعن مشاريعهم الاستعمارية، وأن يتقبلوا سبيل الرشد حتى لو كان مسالما وديمقراطيا وحضاريا؟ ونتذكر هنا قول الله تعالى: (وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً). يتوهم أعداء الإخوان أن قرارا كهذا سيعزلهم، ويفسح الطريق لهم – للأعداء الفاشلين - لكسب أصوات الناس وليسابقوا أنفسهم ويطاردوا وحدهم في ميدان الانتخابات؛ على حد من قال (خلا الميدان لحميدان).. ونسوا سنن التغيير وحراك التاريخ، وأن ذلك لن يكون إلا بقدر ما يعجز الناس عن تخليص حقوقهم وحريتهم ومواطنتهم. لقد تخيلوا أنهم بقرارهم هذا يتمثلون عبد الناصر، وأن ناس هذا الزمان كناس ذلك الزمان، وأن ظروف الإخوان كظروفهم يومذاك.. وأنهم بقرارهم هذا يستطيعون تأخير الإخوان أو عزلهم لثلاثين أو أربعين سنة أخرى؛ ونسوا أو غفلوا عن أن قرار الحظر يأتي اليوم والإخوان في أوج عزهم ونجاحاتهم، وبعد أن عرفهم الناس، وبعد أن غسلوا شبهات وإشاعات عشرات السنين من التشويه والأكاذيب، وبعد أن عرف الناس أنهم في الأهداف إسلاميون ووطنيون، وفي الوسائل سلميون ديمقراطيون، وأنهم في الأخلاق متسامحون حضاريون، وفي الجرأة والقوة والمواجهة رجال أحرار مجاهدون. ويأتي قرار الحظر اليوم بعد أن عرف الناس خصوم الإخوان أيضاً وماهية أفكارهم وحقيقتهم وارتباطاتهم وفسادهم ودمويتهم، وتبين أن ما يتمسحون به من دعاوى سياسية وأخلاقية ووطنية وخطاب ديني كله لا يعدو أن يكون سُلَّما للاستبداد الشخصي والحزبي والإلحاق بقوى الشر العالمية والاحتلال الصهيوني، ولا يرتفع عن أن يكون تكئة ومدخلا لتزييف الصورة العامة وتخدير الشعوب. يأتي قرار حظر "الجماعة" اليوم "بعد أن صار القضاء المصري في أرذل العمر، وفي أسوأ السمعة، وطرفا في العداوة، ويفتقد الحد الضروري من الشرف والموضوعية والاحترام، وبعد أن تدنس بالانقلاب اللادستوري واللاقانوني واللاأخلاقي. ويأتي قرار حظر "الجماعة" اليوم "بعد أن صار الناس مع الإخوان في خندق واحد في كره الباطل، والحرص على الأوطان، كما في السراء والضراء.. مع زيادة ما لدى الإخوان من استعداد لتقدم الصفوف في المغارم والتضحية بالمغانم والسبق في مواجهة التحديات. ويأتي القرار والجماعة اليوم تدافع عن الكرامة الدينية والوطنية والشخصية لأمتها وشعوبها، وتنافح عن استقلال الأوطان وتحامي عن أموال الأمة وثقافتها وخصوصياتها.. فصارت القضيتان قضية واحدة، فصار الشعب رصيدا لها.. ويصح حينئذ اعتبار هذا القرار رغم ما انطوى عليه من خبث مقصد وسوء نية وجريمة وإيذاء.. غاية المنحة في جوهر المحنة ومكرا يمكره الله تعالى بأولئك البائسين الخاسئين. آخر القول: قرار حظر جماعة "الإخوان" في مصر لا يساوي ثمن الورق الذي كتب عليه؛ وهم ليسوا جماعة نكرة أو مبهمة ليفتري عليها من شاء ما شاء ؛ فرموزها وسياساتها ومواقفها أوضح وأصرح من أن تزيف أو أن تتهم بالأخص في زمن الأجواء المفتوحة والإعلام العابر والفكر الثوري والافتضاح الويكيليكسي.. ويكفيهم شرفا أن يكون خصمهم الصهاينة الأقحاح وأذيالهم من الانقلابيين.. وقديما قيل: "بضدها تتميز الأشياء".