18 سبتمبر 2025
تسجيلشكلت حادثة سيطرة الجيش التركي، بالتعاون مع عناصر المعارضة السورية المؤيدة لتركيا، على مدينة جرابلس السورية التي كانت تسيطر عيها عناصر تنظيم "داعش" محطة ذات دلالة بالغة في أكثر من اتجاه. فللمرة الأولى تطأ أقدام جيش تركي بشكل رسمي الأراضي السورية منذ حوالي المائة عام أي منذ انهيار الدولة العثمانية، في أوقات سابقة كانت قوات تركية خلال الأزمة السورية تدخل لفترات محدودة أو خاطفة إلى سوريا ومن دون إعطاء ذلك بعدا رسميا، لكن الأمر مختلف الآن. كذلك للمرة الأولى تعترف تركيا بأن قوات المعارضة السورية من فصائل مختلفة انطلقت من الأراضي التركية وهو أمر لم يحصل من قبل. أيضا للمرة الأولى تعلن تركيا عن دعمها ومواكبتها على الأرض قوات المعارضة السورية. وجّه التدخل العسكري التركي ضربة كبيرة لمشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في أن يصل منطقة عفرين بسائر الكانتونات الكردية التي أعلن عنها من قبل في عين العرب/كوباني وفي منطقة الجزيرة – القامشلي، ولكن هذا لا يلحق الضرر الكبير بما تبقى من مناطق خاصة بالأكراد في شمال سوريا والتي تبقى تحت سيطرتهم. فتحت معركة جرابلس للمرة الأولى ثغرة نحو إنشاء منطقة آمنة خاصة بتركيا بعدما دخلت تركيا بنفسها إلى هناك مع احتمال توسيع تلك المنطقة لتمتد من جرابلس إلى أعزاز، وهذا من شأنه أن يكون منطلقا لتواجد تركي مباشر على الأراضي السورية ومنه الانطلاق للضغط على القوى المعارضة لتركيا مثل النظام وإيران وروسيا أو لفتح خطوط اتصال بعدما حكي في الآونة الأخيرة عن تقارب تركي مع كل من روسيا وإيران. لكن الدلالة الأكبر برأينا هي عودة التواصل بين أنقرة وواشنطن بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي حصلت في تركيا في 15 يوليو الماضي والتي اتهم فيها أردوغان الولايات المتحدة بأن لها دورا داعما للانقلاب من جهة وبأنها تحمي المسؤول المباشر عن الانقلاب أي فتح الله غولين المقيم ولاية في بنسلفانيا الأمريكية. تزامنت عملية جرابلس مع وصول نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنقرة في أول زيارة لمسؤول أمريكي سياسي رفيع إلى تركيا بعد المحاولة الانقلابية. وكان قد وصل بعد أسبوعين على الانقلاب رئيس أركان الجيوش الأمريكية جوزف درامب والتقى مسؤولين أتراك. والتقى بايدن كل المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وشكلت الزيارة مناسبة لترميم بعض ما انقطع بين البلدين. ومن ذلك مثلا وعد بايدن بأن تطلب واشنطن من المحكمة الفيدرالية الأمريكية تسليم غولين إلى أنقرة مع إضافته أن هذا قرار يعود للقضاء البت النهائي فيه وهذا قد يستغرق وقتا طويلا. أيضا أبدى بايدن دعمه الكامل للعملية العسكرية في جرابلس، بل إن العملية العسكرية تحققت في ظل تغطية جوية من طائرات التحالف الغربي. كذلك نال الأتراك دعما أمريكيا لمطلب أن ينسحب الأكراد إلى شرق الفرات بعد سيطرتهم على منبج الواقعة غربه ليكون قطع بالكامل بين كوباني وبين عفرين. شكلت زيارة بايدن عودة تركيا المبدئية إلى التحالف الغربي مع إبقاء التساؤلات قائمة عما إذا كان التقارب التركي مع روسيا سيستمر أم لا وكذلك بالنسبة لإيران. ويبقى الموقف التركي من سوريا ومدى احتمال تغييره سؤالا ينتظر الأيام المقبلة، فرئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم كرر أن بلاده تريد حلا سلميا في سوريا يكون للرئيس السوري بشار الأسد دور فيه في المرحلة الانتقالية على أن يتنحى لاحقا، ولكن أردوغان في مؤتمره الصحفي مع جو بايدن قال إن سوريا يكون الأسد رئيسا لها لن تعرف الديمقراطية. في جميع الأحوال فإن ما جرى في طرابلس شكل لحظة مفصلية في الأزمة السورية لا يعرف ما إذا كانت في اتجاه الأفضل أم الأسوأ.