16 سبتمبر 2025

تسجيل

القذافي.. نهاية مسرحية هزلية

27 أغسطس 2011

في أول كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام 2009م، مزّق زعيم ليبيا المخلوع معمر القذافي جزءا من ميثاق الأمم المتحدة، وقذف بالكتاب الأبيض بحركة (بهلوانية) في الهواء عاليا!!.. القذافي الذي كان قد وصل لأول مرة إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك منذ توليه الحكم عام 1969م قدم أداء (مسرحيا) أعاد للعالم أجواء زعماء أمثال نيكيتا خروتوشوف وهو يدق الطاولة في ذات الجمعية سنة 1960م بحذائه، ذلك الحذاء الشهير الذي لم يتفوق عليه في الشهرة إلا حذاء منتظر الزيدي.. قيل إن الذين استمعوا (مضطرين) لخطاب القذافي أصابهم الملل والنعاس حتى أن الرجل تضجر وقال لمستمعيه: "تفضلوا بتركيز انتباهكم. كلكم نائمين وتعبانين من طول المسافة.. ويجب تكييفكم مع فرق الزمن".. هذه التصرفات الهزيلة تلخص شخصية رجل سمى نفسه ملك ملوك إفريقيا ونحن (نشكر له) أنه لم يسم نفسه ملك ملوك الدنيا!!.. إنه رجل لا يتورع في استعمال كل ما هو سوقي من الألفاظ والتعابير ومن على المنابر الإعلامية وعلى الهواء مباشرة.. اليوم وبعد أكثر من (40) عاما قضاها القذافي في الحكم يحصد حصادا مُرّا.. منذ اندلاع الثورة في ليبيا ورغم تطاول الزمن مقارنة بالثورات الأخرى، كانت المؤشرات تقول إن للقذافي موعدا مع قائمة الرؤساء المخلوعين لن يجد من دونه موئلا وليس له عنه محيص ولا محيد، ولا معدّل.. المصير المحتوم تصنعه ثورة شعبية ضد نظام الرجل الذي بقي متحكما لأكثر من أربعين عاما في ثروة البلاد الضخمة.. ليبيا من أغنى البلاد لكن القذافي أراد أن يتركها شلوا ممزقا يعيش على هوامش التاريخ وحوافي الكون ورصيف العصر.. عرف القذافي بأنه أكبر مبدد للثروات عرفه العالم.. مليارات الدولارات صرفها على البرنامج النووي بيد أنه لم يكن على استعداد للدفاع عنه وانهار سرعان ما دخلت القوات الأمريكية إلى العراق وأعلن عن تفكيكه للبرنامج النووي الليبي في أكثر الصور خذيا، وفور ذلك تم رفع العقوبات عن ليبيا عام 2004، وشهدت البلاد تدفقاً كبيراً للشركات النفطية، وتلقت ليبيا أكثر من مائة عرض من خمسين شركة، بعضها أمريكية وفرنسية وإيطالية.. أهمية النفط الليبي ليست في كميته، بل في جودته، لأنه من النوع الخفيف، فضلا عن أن الموقع الجغرافي الممتاز لليبيا، بسبب قربها من السواحل الجنوبية لأوروبا، يجعلها محط أنظار شركات النفط التي تدرك إمكانية نقل منتجاتها بأسعار متدنية إلى أسبانيا وإيطاليا وفرنسا.. حاليا تنتج ليبيا مليونا وستمائة ألف برميل يومياً، ويمكن رفع الكمية إلى ثلاثة ملايين برميل بحلول عام 2015. من أكثر صور تبديد الثروة الليبية بشاعة الصرف بغباء على حركات التمرد حول العالم من أيرلندا إلى غواتيمالا وبنما وجنوب شرق آسيا مرورا بالحركة الشعبية وحركة العدل والمساواة.. أكثر الجهات حزنا في السودان على زوال عرش القذافي هي الحركة الشعبية التي قتلت أبناء السودان بسلاح القذافي وكذا الحال بالنسبة لحركة العدل والمساواة التي شجعها القذافي ودفع لها ملايين الدولارات لاقتحام العاصمة الخرطوم من جهة أمدرمان (غربا) في مايو 2008م، فالغباء الذي دفع حركة العدل والمساواة للقيام بمغامرتها تلك موروث من العقيد القذافي.. تفاصيل دعم القذافي للعدوان على عاصمة السودان قدر بمائة وخمسين مليون دولار تضمن عدد حوالي ثلاثمائة سيارة دفع رباعي بالإضافة لأنواع أخرى من السيارات كناقلات الوقود وكلها من موديلات ذلك العام 2008 وهناك كميات كبيرة من الأسلحة والقذائف والراجمات الحديثة والتي قيل إن بعضها وصل مداه إلى خمسة وعشرين كيلومترا!!.. أما دعم القذافي للحركة الشعبية التي انفردت بحكم الدولة الجديدة في جنوب السودان فقد جاء باعتراف القذافي نفسه في أحد لقاءاته بزعيم الحزب الاتحادي محمد عثمان الميرغني مفتخرا (إنه يعرف العقيد جون قرنق جيداً فقد التقى به عدة مرات، وأنه أول من قدم له العون والدعم).. لقد كان لدعم القذافي القدح المعلا في إشعال الحرب في جنوب السودان في صيف 1983م، ولولا هذا الدعم الكثيف لما كان بمقدور قوات الحركة الشعبية الاستمرار في حرب حصدت شبابنا ثم فصلت جزءًا عزيزا من السودان. لاشك أن القذافي ترك ما يخلده وما يتذكره الناس به من خلال ما ارتكبه من أفعال بحق الليبيين والعالم من اغتيالات سياسية وسجن وإعدامات وقمع لكل محاولات الشعب الليبي العديدة للإطاحة به.. لاشك أن حقبة القذافي بكل مساوئها قد انتهت وعلى الشعب الليبي أن يدرك أن المرحلة القادمة لن تكون مفروشة بالورد فأمامه الكثير من التحديات والمسؤوليات.