20 سبتمبر 2025

تسجيل

الرباني

27 يوليو 2014

لما جاءت الغنائم إلى عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — وجد فيها بردة كبيرة من الذهب فأخذها ونظر فيها، وتعجب ثم قال: (إن قوماً أدوا هذا لأمناء).وحكاية ثانية في عهده — أيضاً —: أنه لما مر على بيوتات المدينة سمع امرأة تقول لابنتها: اخلطي اللبن بالماء فقالت البنت: ألم تسمعي كلام أمير المؤمنين؟ إنه نهى أن يخلط اللبن بالماء؟ فقالت الأم لها: إن عمر لا يرانا، فردت البنت: إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا..إن هذا المجتمع الأول كان نظيفاً؛ لأنه يشعر برقابة داخلية روحية تسيطر عليه، ويستسلم لها بكل حب وانقياد، فهي أوامر ربانية المصدر، موعودة بالرضا والثواب، والجزاء في الدنيا والآخرة، وليست مجرد أوامر عسكرية صارمة ينفذها الجندي، وهو صامت كاره، أو غافل لاهٍ.إن الرقابة البشرية — على حاجة الناس لها وعلى أهميتها، سواء كانت رقابة إدارية، أو مالية، أو أسرية، أو اجتماعية، أو فكرية — قد تغفل وقد تغيب، ولكن المفهوم الإسلامي يزرع معنى رقابة الله، وإحساس المسلم بهذه الرقابة؛ ليكون على نفسه شهيداً حفيظاً.إن رقابة الله لا يخفى عليها شيء، فليس بإمكان الفرد المسلم أن يستغل الغفلات أو يبتدر السهو، فذلك شأن الرقيب البشري، فرقابة المسلم على نفسه تمنعه من ارتكاب الإثم، وتدفعه إلى العفة، عفة اليد، وعفة الفرج، وعفة اللسان، فالمسلم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة)، ويعلم أن الله عز وجل يقول: "إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا". تلك عفة اليد، ومتى ما قلّت الرقابة تأوّل المتخوضون في المال العام بأن ذلك ملك الجميع، وأنه أحق من أخذ، في بُعدٍ عن إدراك خطر العبث بالمال العام، وأنه سرقة من جيب الأمة كلها، وليس جيب أحد بعينه، وأن الأخذ بغير حق لعب بحقوق الأمة كلها؛ يعود علينا جميعاً بالضعف والفقر والتخلف.ورقابة المسلم على نفسه تحجبه عن الخوض في أعراض الناس باللسان، وهتك أستارهم بالكلام المذموم من غيبة ونميمة وبغي يقول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا" فتقوى الله ومراقبته تمنعان عن مثل هذا الإثم، فالرقابة الذاتية متصلة بمعنى الإيمان بالله وقوته، والمراقبة أحد تجليات معنى الإيمان في نفس العبد، كل ذلك لتنمية الإحساس الداخلي عند المؤمنين بأن الله يراهم، ومطّلع عليهم، فيستوي عند المؤمن عمل الجلوات والخلوات والسر والعلن، وذاك هو الرباني الذي ننشده جميعا.